الأحد، فبراير 12، 2012

عناوين محمود الرحبي







أذكر أول مرة التقيت فيها بالقاص محمود الرحبي في 25/3/1998م، في النادي الثقافي ؛ وقتها اهداني مجموعته القصصية الأولى (اللون البني) والصادرة عن دار المدى بدمشق في نفس ذلك العام.
عندما قرأتها أدهشتني لغتها والتقاطات عينه المبدعه، وأسلوب معالجته للحدث، وأول ما لاحظته أن عنوان المجموعة لا يتضمن أحد النصوص في داخلها – كما جرت العادة عند البعض. ولاحقا أعدتُ قراءتها عدة مرات ، وأثناء ما أقيمت أمسية احتفائية بالمجموعة وكاتبها في النادي الثقافي ، وجهتْ له عدة أسئلة ؛ كان من ضمنها: لماذا اخترت أن يكون عنوان المجموعة "اللون البني" ؛ رغم أنه لا يوجد نص داخلها بهذا العنوان..؟. ورد محمود قائلا: ليس بالضرورة ذلك ، إن هناك مؤلف عماني له كتاب في الطب وعنوان الكتاب: "فاكهة ابن السبيل"، والعنوان قد لا يعكس للبعض المضمون الداخلي لما تحتويه مادة الكتاب..
والآن بعد هذا البعد الزمني بين تلك المجموعة الأولى (اللون البني) والمجموعة الأخيرة(لماذا لا تمزح معي؟)؛ يستمر محمود حاملا رؤيته الخاصة والمتميزة في نفس الاتجاه..).
وبذلك يجعل محمود من العنوان ( عنوان المجموعة) نصا يقول فيه ما لم يقله.. برؤية إبداعية واعية بما يفعله – الاستمرار دليل قاطع!.
ومجموعته الأولى اللون البني من المجاميع القصصية المتميزة، واعتبرها نموذجاً راقياً ورفيعاً في أدب القصة القصيرة العمانية الحديثة. وعندما صدرت المجموعة؛ كتب عنها الكثيرون وأذكر منهم القاص محمد اليحيائي في جريدة عُمان ( الملحق الثقافي- عمان الثقافي في تلك الفترة ) في عموده:لزوم ما يلزم قائلا: لم أحسد أحداً من قبل كما حسدت محمود الرحبي على مجموعته القصصية اللون البني ( بتصرف). والحسد الذي ذكره محمد هنا على ما أظن ويتضح لي أن ما ذهب إليه اليحيائي مشابه ما قاله الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز عندما قدم لرواية "الجميلات النائمات" للروائي الياباني ياسوناري كاواباتا ، قال ماركيز: الكتاب الوحيد الذي وددت لو أكون كاتبه هو " الجميلات النائمات" لكاواباتا – وقد فعلها ماركيز بعد سنوات من ذلك وأصدر روايته "غانياتي الجميلات" وفي ترجمة أخرى عاهراتي الجميلات.
ثم أصدر محمود الرحبي مجموعته القصصية الثانية " برُكة النسيان" والتي صدرت ضمن مشروع مسقط عاصمة للثقافة العربية لعام 2006م عن وزارة التراث والثقافة ، وكأنه أراد أن يغترف من ذاكرته وتجربته الانسانية قصصاً ومشاهد لحيوات من بركة النسيان الحياتية !.
وفي هذا العام صدر له مجموعته الثالثة " لماذا لا تمزح معي؟"، والتي صدرت عن دار أزمنة بعمّان.
ويذكرني محمود بقلة إصداراته وأهميتها ( رغم بداياته المبكرة في الكتابة والنشر) بالقاص السوري ابراهيم صموئيل، والأخير لو انتزعت كلمة من جملة ما من إحدى قصصه لأنهارت القصة وما فيها ، وهذا يدلنا على حسن الصنعة والإتقان دون وضع لإحتمالات الحشو والإسهاب.
كذلك محمود الرحبي يكتب بعين متبصرة بصيرة، ومتمكنة مكينة، ومتسائلة مدهشة؛ كما في جانبه الإنساني يخجلك بتواضعه الرفيع، ودماثة خُلقه، وعندما يحضر يستمع أكثر مما يقول؛ يحضر بكاريزما خاصة به.
وعندما نقرأ عناوين قصص محمود الرحبي مجتمعه تخلق لنا قصيدة هايكو مدهشة كما في مجموعته الأولى " اللون البني" فيما لو حاولنا أن نفعل ذلك، ستأتي هكذا:
الحب الأول
قمر السكران.
* * *
مشهد الفجر
مشهد الغيمة.
* * *
عين الذبابة
أفعى الغروب.
* * *
حمى الغريب
المجنون.
* * *
سقف العرين
ركلات متوالية.
* * *
ملهيات الضجر
دائرة الواحد.
* * *
الفراغ
يوم واحد.
* * *
البيضة
الرائحة.
* * *
الفضيحة
دكاكين رمضان.
* * *
الحذاء
دون عين.. دون لسان.
* * *
عناوين محمود الرحبي..
تريد أن تدمينا؛ تساؤلاً وخيالاً، وأن نقول فيها وعليها ونتقول فيما لم تقله.. الصمت بدهشتها أفضل؛ مخافة أن يضحك محمود في داخله ويقول:
لم تنجح فيما أرمي إليه!.