الأربعاء، مارس 21، 2012

الكتابة ملاذ الكائن





البحث عن اللاشيء .. المغاير/المتمرد/الدهشة المفرحة للروح، كنت أحسبها لعبة؛ لأنها كانت تشعرني بالأمان كما منحتني التعبير عن ما حوالي من كائنات وبشر وأمكنة.. القرية/الوطن/الأم.

أنها خلق اللاشيء،تخيل العالم بصورة أكثر سعادة والانتقام ممن نغصوا علينا الحياة.. بداية من البيت وانتهاء إلى الآخر البعيد المجهول.

بداية تلمس الأشياء / البحث عن الحقيقة؛ الحقيقة/الرغبة..
الكتابة البحث عن الملاذ الآمن والتنزه في غابة السرد ( على حد قول امبرتو ايكو) . إنها اصطناع الحكاية للتسلية من الملل؛ ملل المكان الرتيب ومعجم الكائن البسيط والمحدود..
الكتابة الأدبية لا تقول الحقيقة أبداً ودائماً ؛ كما أنها لا تكذب قطعاً.
إنها اجترار الذاكرة / الطفولة/الشخصيات الغريبة، والزج بها وإعادة تمثيلها على الورق ، بمعنى خلقها في صورة أكثر قرباً وأكثر دهشة ،فالكتابة هي تقبيح الجميل أو تجميل كل ما هو قبيح وما بينهما.

الكتابة عن ذلك الطفل البعيد الذي كان يشبهني ذات زمن ثم غاب في غياهب الذاكرة ليخرج كيفما شاء ووقت ما يشاء هو ذلك ..
أنه الساقية التي تروي الشجيرات وتأثث الحديقة الصغيرة المفتعلة في الخيال لجعلها أكثر إزهاراً وفائدة، إنها استنبات الميت والذابل واقتلاع المؤذي/ الطفيلي، الغير مرغوب به وفيه.

البحث عن الموسيقى النائمة على الجدران المتهالكة وبعثها ،الموسيقى الناعسة على أشجار النخيل وأشجار الليمون المزهرة.
كما أنها – أي الكتابة ، تمجيد لفعل الخالق في مخلوقاته، شكر الرب العظيم؛ حتى في بعض ابتلاءاته..

جاءت الكتابة كفعل حب عميق يصل العظم ويفتت التكلس الروحي المتراكم بفعل الزمن والرضات المتكدسة على الجسد الضعيف وصاحبه الجبان، ومحاولة ترميم الطفولة المرة/الحلوة بالذاكرة الموجعة..
بصوت المؤذن لصلاة المغرب ونزول الملائكة والسكينة ( كما كانت تؤنبنا الأمهات والجدات والأخوات) لأصغر فعل حركي أو صوتي يصدر منا، فنضوي إلى البيت مع الطيور والحيوانات ؛ الكتابة أنها تذكر رائحة اللبان ليلة الجمعة المقدسة بخور الملائكة ( كما كان يقال لنا ).

تمضي الأيام ويسحبنا الزمن إلى دهاليزه لتنمو أجسادنا وعقولنا ورجولتنا .. لنخرج للواقع الحقيقي المر للكائن السعيد، فتتعقد الحياة لنكتشف مبالغة الأمل/ القاتل، ما هي إلا كذبة الممارسة المتخيلة، لتحل الكتابة كبلسم لن يكون فعالاً ومفيداً في كل المرات ؛ الخائبة والمخيبة والخبيئة..
ولكل مرحلة حروفها وأسلحتها كما أن لها أعدائها ومحبيها الجدد..
حتماً لن يكون هناك مكان أكثر ملاذاً ودفئاً من الكتابة وعواملها القرائية المستمرة.