الأربعاء، نوفمبر 30، 2011

ما يحدث


نَهضْتُ مُنزعِجاً، بعدما أيقظني الصداعُ الذي يكادُ يفجِّرُ رأسي مِنْ أثرِ الخُمار.

اتجهتُ إلى المطبخِ، وأعددتُ كوبَ قهوةٍ ثقيلٍ حتى أزيحَ الوجعَ، تمشيّتُ متجهاً إلى الشُرفةِ المُطلةِ على بُستانِ النخيل؛ لأشمَّ كمية َأوكسجين متمنياً أنْ يخُفَ الصداعُ.

جلستُ على الكرسي وأنا اَنظرُ إلى البستانِ الذي يقعُ أسفلَ التلةِ مباشرةً التي يعتليها ضريحُ قيدِ الأرضِ.

ها أنا وحيدٌ ليس لدي أحدٌ أشاركه صداعَ رأسيَ الثقيلُ الذي بدأ ألمهُ يضغطُ على ناصيةِ الوجه لينزلَ الألمُ مباشرةً إلى عينيَّ، ضغطتُ بإصبعيَّ الإبهامِ والوسطى على مقدمةِ جمجمتي بشكلٍ متواصلٍ. عدّلتُ من جِلْستي على الكُرسي وأنا أناظرُ الضريحَ؛ ترى ما الذي يفعلهُ قيدُ الأرضِ في هذه اللحظةِ، هلْ مازال يقظاً ويعرفُ ما يحدُثْ؟

كيف يعرفُ وهو ميتٌ؟ جاءَ السؤالُ من داخلي الملتبسِ بأشياءَ قديمةٍ مُربكةٍ. حدثَ ذلك عندما كان عُمري ستَ سنواتٍ، وأنا مارُّ بجانبِ قبرِ جدي الميتِ منذ ثمانينَ عاماً، وقد دُفِنَت زَوْجَتُه بجانبه ، حقيقةً لا أعلمُ من ماتَ منهما أولاً وهل أوصيا بدفنهما بالقربِ من بعضهما وفي مكان منعزل؟ صادف ذلك وأنا أمرُّ بجانبِ القبرين أنْ وجدتُ عمي يُتمتمُ بشفتيه؛ وما كدتُ أمرُّ عنه حتى ناداني: تعال لماذا لا تسلم على جدك؟ اِرتبكتُ ..مَنْ جدي؟ هذا قبرُ جدك. قال وأشارَ إلى القبر. عندما تمرُّ في كل مرة بجانبه فقل: "السلامُ عليكم دارَ قومٍ آمنين ، أنتم السابقونَ ونحن اللاحقونَ".

لكِنَّ الفرقَ خمسونَ عاماً بينَ سنةِ ولادتي وموتُ جدي ، كيف سيعرِفُني؟

هل يعني هذا أن الأمواتَ يسمعونَ، ويعرفونَ ما يحدث، وإلا ما كذبَ عليّ عمي، فهو إمامُ مسجدٍ، ويُصلي باستمرارٍ، إذا لا بُدَ أنه لا يكذبُ. ولكنْ كيفَ سيعرفُ جدي عبدالله أني حفيدُه، وأُدُعى عبدالله وقد سُميتُ بذلك تيمناً به، فهو كما يصفه أبي قويٌّ وكريمٌ.

إذاً الجثةُ التي تقبعُ داخل القبر، وفوقها مئاتُ الأطنانٍ من التراب؛ والتي تعتلي التلةَ المقابلةِ لي؛ تعرفُ ما يحدث!

ارتشفتُ قطرةً من القهوةٍ وأخذتُ أمجُّها داخلَ فمي؛ فانتبهتُ إلى أنَّ الصُداعَ بدأَ بالتلاشي، وضعتُ الكوبَ على الطاولةِ الصغيرةِ ودخلتُ إلى المطبخ وأحضرتُ كأسِ ماءٍ، شربتُ نصفه ووضعتُ الكأسَ على الطاولة.

أطلقتُ ناظري للمشهدِ الذي أمامي بعدما جلستُ على الكرسي إلى البستان الذي يقع تحت ناظري مباشرة؛ جزيئاتٌ من أضواءِ أعمدةِ الشارعِ تتساقطُ على رؤوسِ نخيله، هبّتْ نسمةٌ باردةٌ اِقشعرَّ لها جِلْدُ زَنْدي نظراً لكوني لا أرتدي سِوى مَلابسَ النومِ.

كان البخارُ يتصاعدُ من فُرَضْ فلجِ الصايغي؛أخذتُ أشاهدُ البخارَ المتصاعدَ، أحسستُ بالدفِء يتسللُ إليّ، رُغمَ النسماتِ الباردةِ التي أخذتْ تتوالي مع طلوعِ الفجر، إذاً بإمكاننا أن نُحول الأشياءَ من خلالِ النظرِ إليها؛ إلى أجسادنا مِنْ مجردِ النظرِ لها والإيمانُ بأنها شيءٌ جميلٌ ورائعٌ سنُحِسُ بجزيئاتها، وبقيمتها الحقيقيةِ، ومكوناتها الفيزيائية. أليسَ هذا ما أشعرُ به على الأقل؟.

أخذتُ أنقلُ بصري بين الضريحِ ومنظرِ بخارِ الفلجْ..ياه.. ضريحُ قيدِ الأرضِ، وفلجُ الصايغي؛ أيضاً مَنْ صاغهُ... قيدُ الأرض؟

ولكن هل صحيحٌ أنه بناه بمساعدةِ الجنِ، بناهُ في ليلةٍ واحدةٍ؟ قلتُ: لا يُمكِنْ. قد يكونُ لديهم من القدراتِ أكثرَ من البشر، ولكن كيف استطاعَ قيدُ الأرضِ أن يأمرهم، وكيف توصلَ لإمرتهم؟

وجهتُّ أسئلتي باتجاه الضريحِ ثُمَ أغمضتُ عينيّ، وتركتُ جهازي السمعي وحده يعملُ بعد أن سحبتُ كميةً ضخمة ًمن الأوكسجين ...

أصواتُ كلابٍ،ضحكةُ امرأةٍ، أصواتٌ بعيدةٌ لبشرٍ، هديرُ محركِ سيارةٍ تمرُّ بشكلٍ سريعٍ، أصواتُ حشراتٍ، حفيفُ شجرٍ، رجلٌ يكحُّ، صوتُ ريحٍ ناعمةٍ، ضُلفة شباكٍ تصطدمُ بأخرى، أذانٌ، أذانٌ.. أذانٌ..أذانٌ..أذانٌ..أذانٌ..أذانْ .

· مقطعٌ من عملٍ سرديٍ طويل.

* نشر النص في ملحق أقاصي 30 نوفمبر 2011

http://www.eshabiba.com/default.aspx?selPg=907&page=30_11_2011_059.jpg

الثلاثاء، نوفمبر 29، 2011

الحُــــــــلُمْ






كان حُلُمي وأنَا صغيرٌ أنْ أصُبِحَ جُندياً، أحْمِلُ بُندقيةً أحْمي بها وطني، من أعداءٍ وهميينَ؛ كانُوا يَغْزُونني ليلاً، وأنا مستلقٍ في فراشي على سطحِ البيتِ.

كنتُ كلَّ ليلةٍ أُنُاظِرُ السماءَ ونُجومها المبعثرةِ في قبةِ الكونْ..حتى الآن يختلطُ عليَّ مشهدُ النجومِ، وأصواتُ الكلابِ الليليةِ، وهمهماتٌ غيرُ واضحةٍ، ورائحةُ الياسمينِ المنْثُورِ على فراشي المشبَّعِ بِنَدى الفجرِ، وصوتِ الُمؤَذِنْ.


*الأقصوصة التي تأهلت إلى نهائي مسابقة متحف الكلمة بمدريد في اسبانيا 2011م.

الاثنين، نوفمبر 28، 2011

نورسـة البحر





- أنت بذيء . قالت ، لتجرني إلى الكلام.

- ببذاءة هذا العالم . قلت.

يبكي الملعونون ، وهم يسرقون الدموع من مآقي الأطفال.

استمر السجال ، حتى تناثرت الرمال على الشواطئ ، بينما البحر غافل يداعب فخذيها ، فيتجرأ ليداعب سرتها .

كانت طيور بيضاء تحط بجانبنا تسرق الكلام منا ، وتهرب به إلى الجهات البعيدة.

- ما أجملكِ أيتها المجنونة !.

ضحكتْ ، حتى اعتصر القلب كالإسفنجة الوسخة، بينما الأطفال يغرسون أظافرهم في الرمال الساخنة الرطبة.

- أتكره العالم . قالت .

- بقدر ما أحبك . قلت .

مياه مالحة تدخل الحلق أبلعها ، بينما البحر يتعثر كطفل على أقدامها، سحابة سديمية تمر فوق رأسينا ، أقبضها بفكري الشارد ؛لأهرب عليها إلى مكان ناءٍ.

تختلط الأشياء المكانية بالميتافيزيقية، كانت الروح تبحث عن كهف تأوي إليه.. بينما الطيور البيضاء تراقب كل شئ .

لو يطويني هذا البحر وهو يتجعد كأم تغطي أبناءها خوفاً عليهم ..

- ألا زلت في عالمك ؟ . سألتني.

- ليس عالمي فرض عليّ .جاوبتها.

الجروح لم تزل تتدفق منها الدماء، موجة عاتية تهجم عليها ، ألم موجع بفعل الملح الذائب ، وكريات الدم الملوثة باللوثانات التي لا تنتهي اضطجعت أمامي، فأندلقا نهداها البضواني، نظرا إليّ بحلمتين متوردتين ، داعبهما الرمل السا خن فتحفزتا .

- قل شيئاً. قالت لي .

صمتْ .

- آه .. لو لم أكن ! لوتنثرني هذه الريح السموم.

- سيجيء الليل . قالت.

وجاء الليل ونحن ملتصقان .

- ماذا تتمنى في هذا الوقت ؟ سألتني وهي تناظر النجوم.

- اِسأليها .. . قلت.

- وما أدراها ..؟!

- هي تعرف كل شي ء .. ألا ترين أنها تسخر منا!.

ضحكت فتناثرت تلك النجوم وقفز البحر المتحفز وسحبها إلى بطنه المهترئ؛ ليضيء بها جوفه المظلم.

رائحة البحر بقيت عالقة في الذاكرة، يومها بكت السماء بدموع سوداء سخرتُ منها !.

- لنذهب سيبللنا المطر . قالت .

ضحكتُ .

- ما يضحكك ؟ . سألتني بسذاجة.

- إننا مبلولان. . من قبل .

يممت وجهي شطر البحر المجنون الذي يأخذ كل سفينة غصبا .

بدأ المد

غمرتنا المياه ؛ ونحن نضحك

أيها المجنون انهض ، فالبحر قادم إلينا . قالت .

تلاصقنا فتلاقت أرواحنا .

أخذ البحر يرتفع فهاج .

بدأ الموج صاخباً فيضيء وهو يدخل كهوفاً خفية في داخلنا معنكبة بفعل الزمن المعطوب، بدأ الموج يمتد ويتراجع.

يدخل فيخرج

يخرج فيدخل

وهكذا .

انطفأت آخر نجمة في داخلنا

وبدأ الجزر يسحبنا إلى داخل ذاتنا .

مددت يدي اليمنى أتحسسها، لم تكن هناك ، و كانت حفرتان صغيرتان رسمهما نهداها المكوران، بدأتُ في الظلام أبحث عنها والفجر يقترب رويداً…

سرقها مني !

سحبها هذا الغادر !

غافلتني وارتمت في حضنه، سكنت في أحشائه...

أيها المجنون…

أقلّب موجاته المجنونة وأنا أنفذ إلى الأعمق كان صوتها يتناءى عني على شكل تأوهات ..

بصقت عليه وأنا أصرخ:

- أكرهك .. أكرهك ، أيها البذيء…

زمجر في وجهي، وبصق بموجة حملتها ممددة على الرمل.

انكببت عليها ، وهي لا تحرك ساكناً أبداً ، فتجمعت عليّ أسراب النوارس فأضاءت الليل الذي قارب على الإنتهاء .

صرختُ حتى تحولتْ نورسة طارت مع السرب .

الأربعاء، نوفمبر 23، 2011

سماء



لكاتبه مجنونة (لا أعرفها)رمته في بريدي وهددني نصها حرفاً حرفاً...فوجدته أمامكم...


لحن الذكرى ينساب إلى أُذُن ليلي بدفءْ

ليخلقك روحا تنبض بالحياة في لحظتي تلك

و يجسدك بكامل حضورك الأنيق...

بوسامة مشاعرك..

وهندام ابتسامتك المهذب!

تـَتـَنَزْلَّ عليَّ من سماء ذاكرتي

وحيا يقرأ عليّ حَرف مقدس من إنجيل الحب قبل أن يُحَرّفه الغياب!

وأراك وملائكة حنانك تحفك

وأنت تنزل بوقار لتستقر على عرش قلبي!

/

أتعلم ما يصنعه حضورك المفاجيء بي?

و أي أنثى تسكنني حينها?

و كم ذاكرة أحتاج لأستحضر دهشتي بك?

أنتفض من عش صمتي

واستدعي لغتي لأتبرج بها في حضورك _الوهمي_

و يتلبسني شيطان الشوق

و يوسوس لنسياني حتى يحيده عن طريقه إليك!

و أرجع أنا للوراء ألف سنة ضوئية,

لألتقي بك في الحد الفاصل ما بيني وبين انتهائَك فيّ!

كل ذلك يحدث وسط ذهولي بالبعثرة

التي تحدثها فيّ كلما اخْتلستُ النظر إلى حنيني إليك,

وأشعر أني مسكونة بك..

بِجِن حُبكَ الآثم

فأُحَضِرُّني لجلسة 'زار' حتى أرقص فوق 'قلبي' لأستخرجك منه!

ولكن لأني مؤمنة بك بيقين..

أستغفر وأتوب عن كل محاولاتي الكافرة لاقتلاعك,

فأعود وأنا أَجُرّ تفاصيلك بخشوع!

وأغتسل من نهر جنتك المفقودة

وأتوجه لِقِبلتكَ فأُصلي ركعتيِ شوق تَقرُبا إليكْ,

علّك تُدخلني فردوسك بعطفك عليّ

لا بحبي العظيم لك!

< بعيدا عن الوهم> :

أتعلم..أنا مسرفة جدا بوفائي لك,

مُبذرة لمشاعري في سبيلك..

ألم تأن توبتي منك وإقلاعي عن معاصي حبكْ..

وخيانة دمعي لمحاجري سرا,

والعادة السرية التي أدمنتها في غيابك,

حينما كان يقتلني الحنين إليك أحتضن بقايا سيجارتك وأبكي!

أرأيت كم هو إسرافي مفرط فيك!

سأكتفي منك,

وأعود إلى رشدي

وأتوب منك توبة نصوحا

وأُقْلِعُ عن تبذير عاطفتي من أجلك,

لأن الله لا يحب المبذرين!

خطوات لزجة للفرجه

باب البيت مفتوح على مصراعيه ، هدوء يخترقه صراخ الأطفال الذين يلعبون بين البيوت المجاورة ، وثغاء الشياه التي رجعت من المراعي في التلة المجاورة للمقبرة .

كان في حديقة المنزل صوت لصنبور ماء غير محكم الإغلاق ، وكلب ضال يربض بين الشجيرات تبدو عليه علامات المرض . ثلاث درجات لا بد أن تصعد حتى تدخل الصالة ؛ فتواجهك صورة جمال عبد الناصر بابتسامة تثير الشك حواليك ؛ قد كتب تحتها في الإطار نفسه: زعيم الأمة العربية ، أسفلها مباشرة مكتبة قديمة تحوي على مجلدات إمحت من على جلدها أسماء مؤلفيها ، وأخرى تمزقت ؛ بفعل الرطوبة والحرارة ( أو ربما بفعل كثرة استعمالها ) .

في الزاوية الأخرى كانت هناك طاولة وكرسي خشبي ؛ على الطاولة : أوراق كثيرة ، صحف ، منفضة ممتلئة بأعقاب سجائر المارلبورو الحمراء ، كأس فارغة ، أقلام مبعثرة بين الأوراق ؛ بشكل عبثي ، كتاب قديم اصفرت أوراقه وقد كتب على جلده بخط كوفي :( بدائع الزهور في وقائع الدهور ) ، وأربعة كتب أخرى إثنان مجلدان ، الأول ( الأيام ) لطه حسين ، والثاني عليه صورة تشي غيفارا ومكتوب تحت الصورة ( مذكرات غيفارا ) ، الإثنان الآخران ( زوربا ) لكزانتزاكيس ، و(الأحمر والأسود ) لستندال .

عندما تغامر قليلاً وتتجه إلى الغرفة الوحيدة في البيت التي تقع بين المطبخ وغرفة الدرج ؛ ثمة موسيقى خافتة تنبعث من الداخل ؛ عندما تقف على بعد خطوة واحدة عن الباب ؛ تتبين أن تلك الموسيقى هي (جنائزيات باخ) بهدوء أدفع الباب لأنه غير مغلق . خزانة الملابس على يمينك ، وأمامك مباشرة مكتب صغير عبارة عن طاولة وكرسي ( من الحديد ) لا تلمسهما لأنهما باردين كجثتين . على الطاولة مصباح قراءة . في الدُرج الأول ،أوراق عبارة عن مذكرات كتبت على شكل نصوص وخواطر يوميه .

تقول المذكرات ( مزودة برسوم سريالية ، بالحبر الصيني ) والمعنونة بـ :

( مذكرات صعلوك من الربع الخالي )

*خطوة ملعونة

وأنا أثب على عناكب رأسي التي باتت تبني لها شباكاً لتطيح به نهاراً، تعثرت بالزمن ... وهو يسحبني إلى مكان بعيد، ليلقي بي على قارعة هذا العالم ..

اركضوا يا أحبائي… هذه الرمال ستأكلكم ، ستلعقكم مناقير الغربان، ها ها… تصوروا هل تلعق الغربان بمناقيرها؟!.

وأنا في هذا الليل الذي أعبر فيه على جناح بعوضه، يخيل لي أني أضاجع نفسي، ما دلالة ذلك؟

اركضوا فالرمل أمامكم والرمل خلفكم.

كنت أبني بيتاً صغيراً من الرمال ليسكنه النمل، ولما نمت قليلاً رأيت رجالا يلبسون ثياباً سوداء يحنطونني في ذلك البيت، فهرولت تجاهه وعندما صحوت لأهدمه لم أجده، بكيت… ومن ثم بصقت على العالم.

*خطوة أخرى … بعيداً عن الكون التافه

يا غراب ..

يا أسود..

يا لحدا ما !

هذا الكلام لن تفهموه أبداً، لأنكم لا تضاجعون الوحوش ولا تأكلون مع الكواسر.

نامي يا حبيبتي وإن لم تشتهي النوم فاسكري!

لص أنا! هذا نص آه، أنا لست لصاً، أنا أصرخ في هذا الفضاء.

لقد سرقوا حبيبتي ، سرقوها!

وأنا أشاكس الشمس عند طلوعها، أرسم ظلاً لإنسان صار يحترق ، هنا لا أملك إلا الرمل وأصابعي وبقايا العظام، بنات آوى تصرخ، تصرخ ربما تتألم تصوروا إن ماتت ؟آه.. أنا أموت كتلك الحيوانات، اقتلني يا الله ،أنا لست كافراً .. ، لكني لا أحتمل السخرية، من أنا حتى أتحداك..؟ وأنا لا شي لديك فلماذا تتركني في هذا الربع المجنون؟!

اركضوا فالرمل أمامكم ، لا ..بل خلفكم. خلفكم ..أمامكم ،وخلفكم وعن يمينكم وعن شمالكم …

أتعرفون ذا القروح ؟

قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل…

لا تقفوا ؟ لا تبكوا؟ لا تركعوا .. !

أنا الإنسان الملعون؟ المحتوف إلى هذا السطح؟

لا تركعوا اُصرخوا… اُصرخوا.. !!!.

*لم يبق شيء سوى الاعتراف

وأنا أرسم على صدري ببقايا عظام لطائر خانته جناحاه؛ صورة لقبيلتنا التي رمتني كالجرو الجرب في هذه الرمال الحارقة…

تعالوا جميعكم :… يا ابن الورد! تعالوا وأنت يا ابن الريب، قفوا جانباً ابكوا على أطلال القرن التافه .

تافهون كلكم ، أنا الصعلوك الذي.. قتلوه، تركوه يموت .

*تحد غير منطقي

لا لن أموت، قررت أن لا أموت، سـأشاكسكم، سأخرج من تحت العشب، سأقفز مع العصافير في الصباح الباكر، سيشاهدونني عند الغروب، أخرج لهم لساني...

أتضحك يا تافه، أتسخر مني. .

أنا لست من خصي أطفالكم! فقط يغريني في هذا الوجود لون الخمرة في القنينة!

سأصلي الآن، سأتيمم، سأغسل وجهي بهذا الرمل الطاهر ، أتعلمون لماذا هو طاهر؟ لأنه بعيد عن الأقذار والنجسين أمثالكم ! .

اركضوا لا تقفوا فالرمل أمامكم والرمل خلفكم.

- أريد أن أبعث برسالة إلى أمي :

فقط لا تبكي فأنا حزين والحمد لله ! و قبلاتك الطاهرة تصلني عند صلاة الفجر، سلمي لي على أصدقائي الميتين الذين دفنتهم منذ سنوات. قبلي عني الريحانة التي أمام بيتنا ، لا تتركيها وحيدة - كما أنا متروك هنا وحيدا - لا تتركيها تبكي... قبلاتي حبيبتي الطاهرة.

موتوا وإن لم تشتهوا الموت فاسكروا

لماذا لا تموتون؟ ! .

كان قلبي يرتجف من كثرة المرارة، التي تملأه سينفجر، سيروي هذه الرمال بدماء حمراء قانية ، كانت تغني نشيد الحزن.. لهذه الرمال .

سأقدم طلباً آخر، أن أموت في الليل!.

اقبروا كل التافهين الذين يكتبون ما يسمونه شعراً، لا يحاولون ذلك ، … ابتعدوا .. اجمعوا أعضاءكم . أنتم قردة، لا تفقهون شيئا من هذا الشيء العظيم.

هيا يا رمال ارقصي معي رقصة الموت، موتي.. موتي يا رمال، فأنا سأكتفي بالجبال، سآكل التراب ، أشرب السعال ..!.

يا غراب اِفقأ عيني، اِشرب دمي، فقط لأحمل قطرة من البحر اليابس

هيا اُرقصي يا رمال، رقصة الموتى .

وداعا لهذا الليل الظالم !

سيمفونية عظيمة، اسمعوا صفير الريح تحت إبطي، ستكون واضحة عندما تدخل الريح إلى عظامي، بعدما تنخر فيّ، ستأكلها الديدان، هذا إذا قبلت ذلك، وأنا أعلم أن الديدان لن تأكل شيئا من جسدي لأنه سيأكلها….

حبيبتي أتعرفين من أين أكتب هذه المذكرات؟

أكتبها من أجمل بقعة في هذا الكون ،بقعة على هذا الوجود لا أحد يستطيع أن يصلها أبداً ..

هنا في هذا الربع المجنون !

أمارس جنوني اللذيذ، وأنا أمضي بجنوني ، أسافر إلى مجرات عظيمة، إلى مجرة درب التبانة، فأرجع أميبيا بدائية، تعيش ولا تعرف لماذا هذه الأميبيا تعيش؟ قد ترسم حياة أخرى.

تبا لشعركِ الأشعث، أنا لا أحب النساء أبداً ، لا أحبهن أبداً، لا يساوين لدي شيئاً

*الرمق الأخير

أسافر بخطواتي المجنونة

أخطها على جمجمة الرمال

أنقلها مرة أخرى

لداخل خيمة هذا الليل

يحملني غراب يلقيني على وجهي

غيبوبة أخرى أسافر بها على هذه الرمال

وداعا يا جنون !

هذا كل ما أملك أقوله

سنلتقي بعد قليل

سنحزم حقائبنا السوداء بعد الرحيل

سنمتطي صهوة الصهيل

خطوة أخرى جريئة تحملني إلى قلبي ..

يبكي، ينفجر

أحبك حبيبتي ،ملعونة هذه الحياة تقتلني لتخلقني من جديد………………………وداعاً.

*خاتمة جميلة ملعونة – مرة أخرى

يا قلبي وأنت تتكسر .. وهج الرمال الحارقة تقتل أجمل شيء في هذا الوجود، تحمل الدماء المتخثرة في الأوردة.. دماء القبيلة. تجتمع الكواسر على جسدي، توزعني على مرافيء هذه الحياة أضحية جميلة، ولكن لحمها مر ، يقولون ذلك لأن صاحبها كان يقرض الشعر ولهذا فهو ملعون وخارج عن القبيلة ..!.

اركضوا فالرمل أمامكم والبحر خلفكم

جلنار حبيبتي، بيتي الكئيب الرائع ، صديقي الميت على فراشه المغرور بموته، لا تبكوا ها أنا قادم، فقط خطواتي بطيئة، لكن أنا أعلم أنها تحمل موتي البطيء، تتركني منبطحاً على سطح الرمال الذهبية، وداعاً يا قلبي الحزين..

* م ل ا ح ظ ة..

مذكرات عثر عليها.. برجلي غراب ميت على الرمال- رمال الربع الخالي وقد وجدت مكتوبه بدماء سوداء متخثرة على رمال صفراء دون تحمل أية مسئولية عما ورد فيها من تبرم وهذيان.

ستحس بعدما تنتهي من قراءة تلك الأوراق بإرهاق نفسي ، يظهر أنها وليدة حالة نفسيه عصيبة ..، أسفل المذكرات كتاب لونه أحمر ( الأم ) لمكسيم جوركي، وبضعت أقلام وممحاة وأوراق مسطرة ومذكرات صفراء صغيرة ، أغلق هذا الدرج ؛ لا تحاول أن تفتح الدرج الذي يليه ، أفتح الدرج الأخير ، أوراق متراكمة ما أن تحاول أن تنتشلها من الدرج حتى تتناثر بين يديك ، بفعل " الرمة " التي غزت كل شيء ...من الأفضل أن تغلقها .

أعلى السرير سترى صورة لمارسيل بروست ( مرسومة ) ، على يسار الصورة مكتوب على الجدار بخط رديء :

لا تمر من هنا ... فالزمن سيأكلك ، وإن تعذر هو عن ذلك ، لا تخف . سيتولى الأمر كل من حولك كمن يحمل شعلة في دهليز ؛ فيتوه ، فإما أن يختنق بدخانها ، وإما تحترق ملابسه ؛ إن لم يحترق هو .

إنسان مر من هنا ( قبلك )

سوف تتوجس الخوف في داخلك ؛ بعد أن تقرأ ما كتب ، ولكن اتجه إلى النافذة ، واسحب الستارة المتهالكة برفق . لا تلتفت جهة السرير ..! ، وإلا انغرزت في قلبك نظرات إنسان مسجى.. بعينين زجاجيتين. يعرف قبلك ما سيؤول إليه حالك ؟! في هذه اللحظة لن تملك إلا شيئاً واحداً هو أن تكتب على الجدار .. جملتك الأخيرة . هذا إن كان في الزمن من متسع ؟! .

الثلاثاء، نوفمبر 22، 2011

صَدْمةُ الغُرف الضَيِقَة

لكي أستمتع قليلاً، باللحظة التي تعتريني كان لا بد لي أن أفتح باب حزني الباذخ ؛على مصراعيه. أدخل رأسي في هوة الألم؛ لأسترق الظلام المعقّد في الداخل ؛ الذي يشبه خلية نحل قديمة، الباب الذي يثير الغثيان ، يذكرني دائماً بجدران أكرهها.

في أي اتجاه أمرُ؛ وهذه الجدران الأربعة تحد الفضاء، أستمع إلى الضجيج في داخلي الذي بدأ يلتهب قبل أن أجد نفسي مرمياً على أرض عارية ، تصل برودتها إلى جسدي الذي صار يرتجف كضفدع ينفق .

صباح لزج، يملأ رئتيّ قسوة على ذاتي ، ذلك اللون البحري الفاسق الذي أتمناه ؛ يدهن السماء برصاص فاقع أقرب إلى الدهشة الموجعة .

عصفور واحد ... واحد فقط ضّل السحاب ، رأيته في الصباح الباكر يهمس للأرض بمنقاره العاجّي باحثاً عن خيانة ليلية ، لحبة قمح خرجت من سنبلتها على غفلة ، عندما كانت السنبلة تطأطيء رأسها في سبات فجري مملوء بالندى وأصوات القطط ؛ وهي مختبئة بين سيقان الزرع ، تمارس الجنس بعيون مطفئة باللذة .

يا أيها المضحكون ؛ بشفقة، العابرون إلى ضفافهم بلا مجاديف ؛ تكسرُ رتابة الماء الآس، يا من تتراشقون بحروف الكلمات ، ألا زال يلوككم ضجرُ الحياة ؟

قلتُ لكم مراراً : لا تكترثوا للأشياء العابرة ، فهناك في الضفة الأخرى من الشاطئ المقابل ؛ تتهامس عليكم نسوة ؛ في الليل الموبوء بالدسيسة وتهّرب كلامكم إلى أطفال جميلِين حتى حِينْ! .

انصتوا لذلك المصفّر من الرغبات المتحجر في داخلكم ، وهو يهمس للكائنات من حولكم ، فعلى مرمى حرف يتوثب كائنكم الخرافي من متلازمة خوفكم الدائم ؛ من أرواحكم الشريرة ؛ الذي يتلبسها الخير كفعل مفاجئ!.

لا أهتم الآن لكم كثيراً ، فلقد وصلت مرمى نظركم انتظرُ الرجوع إلى بداية اللعبة .

فلتخرجوا من فضائلكم الموبوءة وأدخلوا غرفكم ، عليكم أن لا تفتشوا الآن عن الأزهار الذابلة التي داستها أحذيتكم ، فكل السواقي جفت لم تعد ترتعش بدفء الماء ولا ببرودته المنعشة حتى الأشجار بدأت تنهزم فليس في السماء من سحابة عابرة ، صيف قاتل ؛ بداية لنهاية الأشياء خارج الغرف .

أفتح عينّي طوال الليل، لأسترق النظر إلى العصفور الذي كان يسرب لي حكاية أحلامه المزعجة التي تؤرقه طوال النهار .

كانت كل الأزهار تزهرُ للحرف ، تهتز حتى جذوع النخل أفتش عن ظهيرة في الأعالي ، منذُ العين الأولى في دمشق وأنا أغني للعصفور الذي أنتظره دائماً ليحط على النخلة الشاهقة قبالة الشرفة (الشرفة نكاية بالجدران ).

ماذا أهديكِ والدمعة تحجبُ عني صوتي؟ هل صرت أنا سرياليا بما فيه الكفاية ؟!.

رفرف .. رفرف.. أرجوك رفرف بجناحيك لتهتز الروح من قمل الحياة اليومية ، لا تصمت أحكي لي عن شعرائك المجانين في البعد الذي تنظر إليه عن يمينك ويسارك .. رفرف ، أحكي لي عن بيتهوفن وكافكا وريلكه وعن العهد القديم والموسيقى النائمة ، وعن أكتافيو باث، أحكي لي عن جائزة نوبل!

أحكي لي عن وايتمان ، مايكل انجلو، عبدالحميد بن باديس، آلان غيسنبرغ ، مياكوفسكي، صنع الله ابراهيم ، جمال عبدالناصر ، أندريه بريتون، عبدالقادر الجنابي، طاغور كاواباتا، طه حسين ، ميلوش فورمان، محمود درويش ، هرمان هسه، هوتشي منه، زاهر الغافري، ماركو بولو، ميكي ماوس كريستيان ديور، أنطوني هوبكنز ، فريد الدين العّطار، مسيلمة الكذاب، ميشيل فوكو، صدام حسين ، شيمبورسكا، خولة بنت الأزور، الحارث بن حلزة ، فلاديمير ستالين ، ألليتش لينين ، عمر بن الخطاب ، أبي ذر الغفاري...

أحكي لي عن الروماتيزم الذي يصيب المفاصل في الغرف الضيقة، وعن الوجه العنكبوتي الذي كان ينظرُ إليّ من ثقب الباب المتمثل في الجدران.

حكوا : أن حالته بدأت بالتحسن ؛ إلا أنه صار يهذي بأسماء كثيرة لا يعرفونها !!.