الاثنين، نوفمبر 28، 2011

نورسـة البحر





- أنت بذيء . قالت ، لتجرني إلى الكلام.

- ببذاءة هذا العالم . قلت.

يبكي الملعونون ، وهم يسرقون الدموع من مآقي الأطفال.

استمر السجال ، حتى تناثرت الرمال على الشواطئ ، بينما البحر غافل يداعب فخذيها ، فيتجرأ ليداعب سرتها .

كانت طيور بيضاء تحط بجانبنا تسرق الكلام منا ، وتهرب به إلى الجهات البعيدة.

- ما أجملكِ أيتها المجنونة !.

ضحكتْ ، حتى اعتصر القلب كالإسفنجة الوسخة، بينما الأطفال يغرسون أظافرهم في الرمال الساخنة الرطبة.

- أتكره العالم . قالت .

- بقدر ما أحبك . قلت .

مياه مالحة تدخل الحلق أبلعها ، بينما البحر يتعثر كطفل على أقدامها، سحابة سديمية تمر فوق رأسينا ، أقبضها بفكري الشارد ؛لأهرب عليها إلى مكان ناءٍ.

تختلط الأشياء المكانية بالميتافيزيقية، كانت الروح تبحث عن كهف تأوي إليه.. بينما الطيور البيضاء تراقب كل شئ .

لو يطويني هذا البحر وهو يتجعد كأم تغطي أبناءها خوفاً عليهم ..

- ألا زلت في عالمك ؟ . سألتني.

- ليس عالمي فرض عليّ .جاوبتها.

الجروح لم تزل تتدفق منها الدماء، موجة عاتية تهجم عليها ، ألم موجع بفعل الملح الذائب ، وكريات الدم الملوثة باللوثانات التي لا تنتهي اضطجعت أمامي، فأندلقا نهداها البضواني، نظرا إليّ بحلمتين متوردتين ، داعبهما الرمل السا خن فتحفزتا .

- قل شيئاً. قالت لي .

صمتْ .

- آه .. لو لم أكن ! لوتنثرني هذه الريح السموم.

- سيجيء الليل . قالت.

وجاء الليل ونحن ملتصقان .

- ماذا تتمنى في هذا الوقت ؟ سألتني وهي تناظر النجوم.

- اِسأليها .. . قلت.

- وما أدراها ..؟!

- هي تعرف كل شي ء .. ألا ترين أنها تسخر منا!.

ضحكت فتناثرت تلك النجوم وقفز البحر المتحفز وسحبها إلى بطنه المهترئ؛ ليضيء بها جوفه المظلم.

رائحة البحر بقيت عالقة في الذاكرة، يومها بكت السماء بدموع سوداء سخرتُ منها !.

- لنذهب سيبللنا المطر . قالت .

ضحكتُ .

- ما يضحكك ؟ . سألتني بسذاجة.

- إننا مبلولان. . من قبل .

يممت وجهي شطر البحر المجنون الذي يأخذ كل سفينة غصبا .

بدأ المد

غمرتنا المياه ؛ ونحن نضحك

أيها المجنون انهض ، فالبحر قادم إلينا . قالت .

تلاصقنا فتلاقت أرواحنا .

أخذ البحر يرتفع فهاج .

بدأ الموج صاخباً فيضيء وهو يدخل كهوفاً خفية في داخلنا معنكبة بفعل الزمن المعطوب، بدأ الموج يمتد ويتراجع.

يدخل فيخرج

يخرج فيدخل

وهكذا .

انطفأت آخر نجمة في داخلنا

وبدأ الجزر يسحبنا إلى داخل ذاتنا .

مددت يدي اليمنى أتحسسها، لم تكن هناك ، و كانت حفرتان صغيرتان رسمهما نهداها المكوران، بدأتُ في الظلام أبحث عنها والفجر يقترب رويداً…

سرقها مني !

سحبها هذا الغادر !

غافلتني وارتمت في حضنه، سكنت في أحشائه...

أيها المجنون…

أقلّب موجاته المجنونة وأنا أنفذ إلى الأعمق كان صوتها يتناءى عني على شكل تأوهات ..

بصقت عليه وأنا أصرخ:

- أكرهك .. أكرهك ، أيها البذيء…

زمجر في وجهي، وبصق بموجة حملتها ممددة على الرمل.

انكببت عليها ، وهي لا تحرك ساكناً أبداً ، فتجمعت عليّ أسراب النوارس فأضاءت الليل الذي قارب على الإنتهاء .

صرختُ حتى تحولتْ نورسة طارت مع السرب .

هناك تعليقان (2):

  1. سيمياء الروح28 نوفمبر 2011 في 3:52 م

    الخطاب,
    لا أدري لمَ نصك سحبني إلى عمقي وإلى ذاتي وتصادمتها
    التي لا أعترف بها أو لربما أتجاهلها!
    نصك خليط بين ثبات و تردد .. أو بين أريد و اللا أريد. .
    تناقضات تخلق صراعا تقع الروح فريسة سهلة له
    وربما تخرج في النهاية بفراغ كبير!

    ردحذف
  2. لا فراغ يا سيمياء الروح..
    إنه وجع النوارس

    ردحذف