الثلاثاء، نوفمبر 22، 2011

صَدْمةُ الغُرف الضَيِقَة

لكي أستمتع قليلاً، باللحظة التي تعتريني كان لا بد لي أن أفتح باب حزني الباذخ ؛على مصراعيه. أدخل رأسي في هوة الألم؛ لأسترق الظلام المعقّد في الداخل ؛ الذي يشبه خلية نحل قديمة، الباب الذي يثير الغثيان ، يذكرني دائماً بجدران أكرهها.

في أي اتجاه أمرُ؛ وهذه الجدران الأربعة تحد الفضاء، أستمع إلى الضجيج في داخلي الذي بدأ يلتهب قبل أن أجد نفسي مرمياً على أرض عارية ، تصل برودتها إلى جسدي الذي صار يرتجف كضفدع ينفق .

صباح لزج، يملأ رئتيّ قسوة على ذاتي ، ذلك اللون البحري الفاسق الذي أتمناه ؛ يدهن السماء برصاص فاقع أقرب إلى الدهشة الموجعة .

عصفور واحد ... واحد فقط ضّل السحاب ، رأيته في الصباح الباكر يهمس للأرض بمنقاره العاجّي باحثاً عن خيانة ليلية ، لحبة قمح خرجت من سنبلتها على غفلة ، عندما كانت السنبلة تطأطيء رأسها في سبات فجري مملوء بالندى وأصوات القطط ؛ وهي مختبئة بين سيقان الزرع ، تمارس الجنس بعيون مطفئة باللذة .

يا أيها المضحكون ؛ بشفقة، العابرون إلى ضفافهم بلا مجاديف ؛ تكسرُ رتابة الماء الآس، يا من تتراشقون بحروف الكلمات ، ألا زال يلوككم ضجرُ الحياة ؟

قلتُ لكم مراراً : لا تكترثوا للأشياء العابرة ، فهناك في الضفة الأخرى من الشاطئ المقابل ؛ تتهامس عليكم نسوة ؛ في الليل الموبوء بالدسيسة وتهّرب كلامكم إلى أطفال جميلِين حتى حِينْ! .

انصتوا لذلك المصفّر من الرغبات المتحجر في داخلكم ، وهو يهمس للكائنات من حولكم ، فعلى مرمى حرف يتوثب كائنكم الخرافي من متلازمة خوفكم الدائم ؛ من أرواحكم الشريرة ؛ الذي يتلبسها الخير كفعل مفاجئ!.

لا أهتم الآن لكم كثيراً ، فلقد وصلت مرمى نظركم انتظرُ الرجوع إلى بداية اللعبة .

فلتخرجوا من فضائلكم الموبوءة وأدخلوا غرفكم ، عليكم أن لا تفتشوا الآن عن الأزهار الذابلة التي داستها أحذيتكم ، فكل السواقي جفت لم تعد ترتعش بدفء الماء ولا ببرودته المنعشة حتى الأشجار بدأت تنهزم فليس في السماء من سحابة عابرة ، صيف قاتل ؛ بداية لنهاية الأشياء خارج الغرف .

أفتح عينّي طوال الليل، لأسترق النظر إلى العصفور الذي كان يسرب لي حكاية أحلامه المزعجة التي تؤرقه طوال النهار .

كانت كل الأزهار تزهرُ للحرف ، تهتز حتى جذوع النخل أفتش عن ظهيرة في الأعالي ، منذُ العين الأولى في دمشق وأنا أغني للعصفور الذي أنتظره دائماً ليحط على النخلة الشاهقة قبالة الشرفة (الشرفة نكاية بالجدران ).

ماذا أهديكِ والدمعة تحجبُ عني صوتي؟ هل صرت أنا سرياليا بما فيه الكفاية ؟!.

رفرف .. رفرف.. أرجوك رفرف بجناحيك لتهتز الروح من قمل الحياة اليومية ، لا تصمت أحكي لي عن شعرائك المجانين في البعد الذي تنظر إليه عن يمينك ويسارك .. رفرف ، أحكي لي عن بيتهوفن وكافكا وريلكه وعن العهد القديم والموسيقى النائمة ، وعن أكتافيو باث، أحكي لي عن جائزة نوبل!

أحكي لي عن وايتمان ، مايكل انجلو، عبدالحميد بن باديس، آلان غيسنبرغ ، مياكوفسكي، صنع الله ابراهيم ، جمال عبدالناصر ، أندريه بريتون، عبدالقادر الجنابي، طاغور كاواباتا، طه حسين ، ميلوش فورمان، محمود درويش ، هرمان هسه، هوتشي منه، زاهر الغافري، ماركو بولو، ميكي ماوس كريستيان ديور، أنطوني هوبكنز ، فريد الدين العّطار، مسيلمة الكذاب، ميشيل فوكو، صدام حسين ، شيمبورسكا، خولة بنت الأزور، الحارث بن حلزة ، فلاديمير ستالين ، ألليتش لينين ، عمر بن الخطاب ، أبي ذر الغفاري...

أحكي لي عن الروماتيزم الذي يصيب المفاصل في الغرف الضيقة، وعن الوجه العنكبوتي الذي كان ينظرُ إليّ من ثقب الباب المتمثل في الجدران.

حكوا : أن حالته بدأت بالتحسن ؛ إلا أنه صار يهذي بأسماء كثيرة لا يعرفونها !!.

هناك 6 تعليقات:

  1. صباح لزج، يملأ رئتيّ قسوة على ذاتي ،


    جميل

    ردحذف
  2. أنت الأجمل
    إنه ما يفعله الملك روبرت الثاني!!!

    ردحذف
  3. سيمياء الروح22 نوفمبر 2011 في 6:20 م

    مساءٌ يدفن رأس حزني في حضن نصك
    فيبكي وابكي معه!
    الخطاب . . حرفك آية من سورة الدهشة
    ارتلها بخشوع !

    ردحذف
  4. سيمياء الروح: مرورك أيقظ الفرح بخشوووووووووووع مبهج

    ردحذف
  5. سيمياء الروح23 نوفمبر 2011 في 8:42 ص

    أيقظه يا خطاب ,أيقظه وانتشيء به في لحظة سُكر ٍ منفردة
    حتى تثمل عن حزنك الذي سطرت به حرفك الموجوع!
    كنتُ أقرؤك منذ البداية
    ولكن نصوصك أصبحت فاخرة أكثر من صمتي المهتريء
    فأتيتُك بحرفي المجزاة بضاعه لأحتفل معك على حين غرة من شيطان الوجع!
    سأزرعني هنا,علك تمطرني بحرفك لأنمو!
    صباح فيروزي ناعم

    ردحذف
  6. سيمياء الروح:صباحك ياسمين أبيض كقلبك
    مرورك نسمة فجر

    ردحذف