الأحد، أكتوبر 25، 2009

الخطّاب المزروعي في لعنة الأمكنة

عوض اللويهي

لا شك أن القصة القصيرة كفنٍ أدبي حديث بالنسبة للبيئة الثقافية العمانية أصبح يشكل ملمحا
بارزا في الخريطة الثقافية في السلطنة بشكل عام، فعلى سبيل المثال ما بين 2000- 2006 نلاحظ تزايد كتاب القصة القصيرة، وتزايد الإصدارات القصصية بجانب تكرر إصدار أكثر من مجموعة للقاص الواحد، وكذلك الفعاليات الثقافية والملتقيات المكرسة للفن القصصي، بجانب استمرار اسماء لها تميزها وحضورها في الكتابة القصصية، وذلك ما يشكل تراكما كميا ونوعيا ما يعطي التجربة غناها وتنوعها في نفس الوقت.

وتعد مجموعة «لعنة الأمكنة» للقاص الخطاب المزروعي، والصادرة عن دار ميريت المصرية العام 2003م، الإصدار الأول له، وتأخذ المجموعة من المكان منحى لعنوانها كما تأخذه اشتغالا جماليا عليه من خلال نصوصها الخمسة عشر، بجانب ذلك هناك مجاميع قصصية عمانية اتخذت من المكان او الدلالات الحافة به عناوين لها أيضا ونحن نشير إلى هذه الملاحظة هنا بشكل عابر لنشير إلى أن ذلك الانشغال يشكل بعدا جماليا في التجربة القصصية العمانية على وجه العموم، والورقة تحاول الإطلالة على الكائن وهو يتحرك داخل الأمكنة الملعونة(والقاص يشير في أول المجموعة أن نصوصها كتبت في أمكنة سديمية متفرقة بين عامي 1997-2000).

العنوان بحد ذاته يشكل متكأ محوريا لكسر حدة التوقع والدهشة، وستنطلق القراءة معتمدة على النصوص بالدرجة الأولى من خلال العنوان ذاته، فاللعنة هذه الكلمة الصادمة والتي من أحد معانيها الإِبْعادُ والطَّرْد من الخير(١)، والمكان وجمعه أمكنة، (نشير هنا إلى المكان المتخيل في القصص وليس الواقعي حتما) ومكن من التمكين أي الثبات والإقامة في المكان، والجوهري في كتابه الصحاح(٢) فيقسم المكان إلى نوعين هما: (المكان الخاص والمكان المشترك: أما المكان الخاص فهو الحيز الذي يشغله الجسم بمقداره أما الثاني فهو الحيز الذي تشغله جملة أجسام وحينما توجد أجسام يوجد مكان وحينما لا توجد أجسام لا يوجد مكان) فالقراءة تتطلع إلى رصد النفي والثبات والنظر في حيز البطل في المكان وحيز الموجودات الأخرى. لكن برغم قسوة المكان وحدة النفي والطرد التي قد تتبدى من خلال العنوان إلا أن المجموعة حافلة بالموجودات التي تسعى للاستمرارية بين نقطتي جذب (النفي والثبات) ومحاولة البحث عن أفق وإعطاء معنى آخر للثبات في المكان من خلال رسم فضاء قابل لاحتضان الحيزين المتناقضين (حيز الأنا- حيز الآخر) فالأنا وإن نفيت وأبعدت إلا أنها تحاول من خلال النص أن تخلق بديلا لها ولو نبتة ريحان أو الكتابة أو الصديق أو الابنة مثلا. فلا بد من آخر للذات وإن نفاها وأبعدها من حيزها المكاني فذلك لا يبرر قسوته وقسوة المكان بل يدينه ويرجمه مع المكان.

× في القصة الأولى التي تطالعنا بعنوانها(خطوات لزجة للفرجة) وهو النص الافتتاحي للمجموعة، الخطو حركة في المكان رغم لزوجة النفي وقسوته، فالبيت المشرع بابه والمحاط بالهدوء الذي يثير الترقب والتوجس، هذا الهدوء لا يخترقه إلا:

-صراخ الأطفال الذين يلعبون بين بيوت مأهولة (مشغولة الحيز)

- ثغاء الشياه التي رجعت من المرعى في التلة المجاورة في التلة المجاورة ص١١

فالبعيد مسكون بالآخرين بينما البيت هنا لا يشي بنفس الحركة التي توجد هناك فحيز البيت معزول ومنفي عن حيز البيوت المجاورة، فالموجودات هنا وإن كانت (حديقة المنزل- كلب ضال تبدو عليه علامات المرض- صوت صنبور الماء غير محكم الإغلاق) وهي أيضا خارج البيت لا تستطيع إقناعنا بوجود حياة ممكنة، فالبيت يبدو طاردا بينما البيوت المجاورة قادرة على صنع حركة للحياة(صراخ- ثغاء) ما يعني تجدد الحياة المعتادة للبشر واستمراريتها في البيوت المجاورة وتوقفها هنا، برغم ذلك يندفع الراوي آمرا بطل القصة بالدخول عبر الدرجات الثلاث ومواجهة موجودات البيت- الذي كانت كائنات تسكن حيزه والآن فارغ منها (صورة جمال عبد الناصر- ومكتبة قديمة تأثرت كتبها بفعل الرطوبة الحرارة- طاولة- كرسي خشبي- أوراق -صحف - منفضة - كأس فارغة- أقلام مبعثرة) فهذه الموجودات التي تأخذ الثبات والإقامة في مقابل غياب سكان البيت، لتشكل الموجودات استمرارا ضد النفي والطرد، ليتحول البيت وموجوداته إلى ذاكرة، إي تحيل إلى أنّ من كان هنا هو إنسان مثقف ولكنه غائب عن المكان، فكأن البطل يأخذ مكانه بالتدريج حسب جريان تدفق القصة، ذلك ما يغري البطل ليندفع إلى الغرفة الوحيدة في البيت والتي تقع بين المطبخ وغرفة الدرج، ثمة موسيقى تنبعث من داخل الغرفة مما يزيد من احتمال وجود أحد لكنه يكتشف (الطاولة والكرسي باردين كجثتين) ولكنهما يشكلان حيزا لموجودين، بجانب وجود مصباح القراءة الجامد في مكانه، (في الدرج الأول أوراق عبارة عن مذكرات كتبت على شكل نصوص وخواطر يومية) ص12، هنا دخول ثالث إلى عوالم البيت، فإذا كنا لاحظنا في المقاطع السابقة تمثيل الموجودات المبعثرة أمام ناظري البطل فهنا لا بد من فتح أحد أدراج طاولة القراءة وهو أولها لنجد ما ينوب في الحضور فالمذكرات تدوين ومحاولة لترك أثر في المكان،وما يزيد من إغراء قراءتها تزويدها برسوم سريالية بالحبر الصيني، وهذا يكشف بعضا من هوية شاغل حيز والغائب حتما،وعنوان المذكرات(مذكرات صعلوك من الربع الخالي) يحيل إلى ذاكرة قد تبدو للوهلة بعيدة عن فضاء القصة، ولكنها منبثة في فضاء المذكرات، وليس بعيدا عن ما تحيل إليه كلمتا (الصعلوك- الربع الخالي) فالمذكرات تستحضر الغائب من خلال الكتابة وتزيح لفترة وجود البطل، والراوي معا.

تنقلنا المذكرات إلى عوالم صاحبها الذي سنكتشف أنه من كان يسكن البيت، وتشكل المذكرات الحيز البديل والمستمر للذات المنفية(وهي هنا صاحب المذكرات) فهي خروج من حيز متحرك غير ثابت وطارد في نفس الوقت إلى حيز كتابي مقروء وقادر على الاستمرار والانتقال، فالمذكرات تكشف فداحة اللعنة التي حلّت بصاحبها «كنت أبني بيتا صغيرا من الرمال ليسكنه النمل، ولما نمتُ قليلا رأيت رجالا يلبسون ثيابا سوداء يحنطونني في ذلك البيت، فهرولت تجاهه، وعندما صحوت لأهدمه لم أجده، بكيت.......)ص٣١.

كما يدعونا (صاحب المذكرات) إلى الهرب من الرمال بعد أن أدرك تورطه فيها، ليتورط بطل القصة أكثر بسبب الخطوات اللزجة للفرجة، حيث يتورط بالدخول إلى من باب المدخل المفتوح على مصراعيه ليدخل إلى الصالة - أي إلى داخل البيت- فينتقل من حيز ليدخل في آخر، ليفتح باب الغرفة ليفتح بعد ذلك الدرج ليدرك بعد ذك تورطه نتيجة انتقاله من حيز إلى آخر ليدرك أنه كان في حيز منفي باكمله، فاللعنة والنفي يتوالدان ويتناسلان بشكل غرائبي داخل البيت، ليدرك البطل ورطته الكبرى وهي الوقوع في لزوجة النفي والطرد، بعد قراءته للمذكرات ورأيت الجسد المسجى على السرير بعينيه الزجاجيتين، فليس أمامه سوى صنع استمراريته -إنْ- أمكنه ذلك بترك بصمته الكتابية على الجدار وتسجيل مروره بالمكان، فلكي تزيح ستارة متهالكة عن نافذة وحيدة في غرفة وحيدة في بيت منفي جرتك إليه محاولتك للدخول إلى عوالم لزوجة الفرجة، لا بد أن تصادف ذلك، فالأمكنة المنفية تصنع نفيها وطردها الخاص بها بمقدار النفي والطرد الممارس عليها.

في قصة القبو، المقسمة إلى ثلاثة مقاطع قصصية هي:- النهاية- القبو- البداية، نلاحظ الانتقال من حيز الرحم إلى فضاء الحياة والوجود، الخروج من حيز ضيق إلى حيز واسع فسيح- كما يفترض منه-.

«أشعلت لفافة بيضاء كجناح النورس، حملتني إلى مرافئ مدن جميلة» ص23، فالبطل يحاول إيجاد حيز آخر جديد ولو كان متوهما ومصطنعا من خلال إشعال اللفافة، بدلا من الحيز الضيق الذي تورط به، أو عن طريق تمرير اليد على جدران البيوت القديمة بالرغم من الخدوش التي تحدثها الحصيّات الناتئة من الجدران، إلا أنّ ذلك ينقل البطل إلى عوالم شعرية جميلة، تستطيع أن تفك عن الكائن حصار المكان وقسوته.

«سمعت صوت أبي يلاحقني: ما عليك الملعون.... الكلب» ص23.

خروج محمد من البيت يقابله ذهابه إلى المقبرة، والمعروف أن الانتقال إلى المقبرة لا يتم إلا عن طريق الموت، ولكنا نجد أن النفي تعبير رمزي عن الموت ومحاولة من الأب لإخراج ابنه من الحيز المشترك لجميع الكائنات وإلجائه بالذهاب إلى المقبرة.

بعد ذلك يقول محمد«صرخت: اقتلني... لا أحب هذه الحياة الملعونة رجع الصدى قاسيا ضبابيا، عوت الكلاب من ناحية الجبل، وكأن تلك المخلوقات تسخر مني»ص23. وإذا عدنا إلى الأسطر السابقة ندرك مدى تشبيه الأب لابنه بالكلب، مع أن الابن يظل وحيدا في المقبرة في حين أن الكلاب المشبه بها تمتلك القدرة على النباح والسخرية منه، ولها أيضا مكان تلجأ إليه (الجبل) وتعيش في مجموعة ضمن حيز مكاني محدد ومعروف.

نلاحظ أثناء وجود محمد مطرودا خارج البيت وجوده بالقرب من مزرعة(زوينة) محمد خرج من حيز ولم يرجع إليه، بينما زوينة تحاول أن ترجع دجاجتها وديكها اللذين لم يرجعا، فزوينة تحاول إرجاعهما إلى حيزهما المعتاد فزوينه تمثل منطقة جذب، بينما (خديجة) أم محمد لم تستطع فعل شيء حيال ابنها المطرود ولم تستطع حماية ابنها من قسوة زوجها، وبالرغم من ذلك يسعى البطل إلى إيجاد بديل مستمر له وهو هنا صديقه (حمدان) «حملني صوت حمدان إلى مدن جميلة، صرت أحلّق كفراشة تهوى اللعب بالنار..» ص25.

فالغناء محاولة للخروج من قسوة المكان ونفيه، وهذه القسوة التي تتشكل أخيرا في تغييب محمد بقتله، وإبعاده إلى المقبرة إبعادا أبديا، ليستمر حمدان في محاولة الخروج من القبو الذي لم يستطع محمد الخروج منه.

×مجدلية الزمن الآتي: يشكل تقارب بيتي مريم وعيسى، تقاربا مكانيا وروحيا تجسدا لعلاقة الحب بينهما، لكن الطرد والنفي يتشكل هنا عن طريق موت مريم البشع، والموت يتم بالموت بين الحيزين المكانيين المتقاربين«كان رأسها قد ارتطم بالموت بجدار بيتينا قبل أن ينفجر على صخرة ملعونة تقبع بين الجدارين، وتناثر رأسها كالبطيخة الحمراء» ص32.

نكتشف أن هناك صخرة تكسر وهم التقارب المكاني، كما نجد أن هناك صخرة بشرية أخرى تحطم تقارب الحيزين الروحيين وهو هنا عم مريم، الذي سحرها ممارسا بذلك دور الطارد، إلا أن حب عيسى لها وهيامه وهواجسه، يشكل استمرارا ومقاومة للتخلص من صدمة فقد مريم، من خلال الإصرار على انتظارها ولو بالحلم.

يتحول البطل في «قرية النقاق وما حدث لها» إلى زهرة ريحان لتستمر ابنته التي نجت من الطوفان تشم أريجها كل صباح(تخرج رأسها من الشباك لتشمني) ص٣٤،فالبطل يدخل إلى الحلم(الحلم بمدينة اللذة المحمولة)- الولوج إلى المحل- الانتقال إلى القرية- قيادة باص الأجرة- منطقة تقع على ارتفاع يسمح بمشاهد القرية بأكملها- القرية- الدخول في الطوفان- الرجوع إلى القرية- قتل البطل بالمسدس وتلاشيه إلى دخان- التحول إلى زهرة ريحان،«وأنا أبكي من الداخل فهي لا تعلم أن أباها أصبح زهرة ريحان في حديقة منزلهم ستذبل يوما إن لم تُجزّ كما حدث للقرية» ص٣٤.

الهوامش

١- لسان العرب، ابن منظور، مادة (ل.ع.ن) الموسوعة الشعرية. الإصدار الثالث 2003م، المجمع الثقافي، أبو ظبي.

٢ - كاصد، الدكتور سلمان، عالم النص دراسة بنيوية في الأساليب السردية (فؤاد التكرلي نموذجا)، ط ١ 2003. دار الكندي.اربد. الأردن.

السبت، أكتوبر 24، 2009

النادي الثقافي... أسرة الترجمة... أسرة القصة... جمعية الكتاب والأدباء

(عَلِمَتْ (...) من مصدر مؤكد أن إدارة النادي الثقافي قد أعفت أسرة الترجمة الحالية من إدارتها للأسرة التي تم تشكيلها بتاريخ 12/4/2008، وذلك لعدم تنفيذها برنامج الأسرة التي كانت قد أعدته ووعدت به، ورغم محاولات متكررة من قبل إدارة النادي الثقافي، والاتصال مع أسرة الترجمة بضرورة تنفيذ أنشطتها وبرامجها، إلا أنها لم تف ببرنامجها، ولم تقدم ما يدعم مسيرتها، ويؤكد فاعليتها ونشاطها.
وتضم إدارة أسرة الترجمة التي تم إعفاؤها كلا من: شمسة الحوسنية رئيس أسرة الترجمة، ويونس الحراصي نائب الرئيس، ومحمد الصارمي أمين سر الأسرة). خبر صحفي منقول.
والأخ الذي كتب الخبر في الأعلى، في اتصال هاتفي يبارك لأحد مشرفي تحرير ملحق أقاصي ( بمناسبة تغريده حراً)، ما ينبغي أن تقولوا: جريدة ضاق صدرها!.
وأنا أقول لك: ما ينبغي أن تورد الخبر كما أراده البعض بمزاجيتهم، وأن تزج بأسمائهم بطريقة المتهمين، لقد أنفقوا من وقتهم الخاص والعام في القيام بأشياء كثيرة لم تقم بها مؤسسة ثقافية بأكبرها!
تفاجأت كغيري بخبر اعفاء أسرة الترجمة حسب ما ورد في تصريح للصحافة من مصدر مؤكد ( هكذا ورد) في النادي الثقافي وما قامت به أسرة الترجمة من رد.
تفاجأت ليس لأني عضواً فيها ولكن كمتابع للأنشطة الحثيثة التي قامت وتقوم بها أسرة الترجمة من أنشطة وأفكار خلاقة خدمة للمشهد الثقافي في السلطنة؛ أقرب مثال وأكبرها هو ملحق الجسر ، وهو ملحق يستحق الإشادة والتحية للقائمين عليه من جهد حضاري عظيم، وأتساءل هل يجوز إدارياً أن تعفى (أسرة) أو شخص أو شخوص أو جماعة من مهام عملهم دون أن تستمع إليهم أو تسائلهم ؟؟ السؤال الأكثر أهمية هل هم موظفون لديك لكي تعفيهم من مهامهم؟؟ علماً أن أسرة الترجمة أسرة منتخبة؟!.
أنا أطرح الموضوع هنا ليس بقصد أسرة الترجمة وحدها فقط ولكن سأطرح هذا السؤال: هل يمكن أن أقرأ الخبر في الأيام القادمة من اعفاء أسرة القصة من مهامها؟. يقول المثل العماني: (إذا شفت صاحبك يتحسن بل شعرك)!.
كنت قد سألت ( قبل الصيف) نائبة أسرة القصة الأخت هدى الجهوري هل ستكون هناك أنشطة لأسرة القصة في الصيف؟
فردت: عدم وجود ؛بسبب الصيانة التي يقوم بها النادي الثقافي في فترة الصيف.
ولنتوقف عند النقطة الأخيرة؛ الصيانة في النادي الثقافي في الفترة الماضية، ماذا تريد إدارة النادي الثقافي من أسرة الترجمة القيام به والمكان الذي يظلها ويحتضنها تحت الصيانة ؟
ماذا أعطى النادي الثقافي لأعضاء أسرة الترجمة ؟ أو حتى لأسرة القصة؟ عندما أذكر النادي الثقافي هنا أقصد الإدارة الحالية، في بداية مشوار ملحق أقاصي عام 2006م حصل الملحق على دعم رمزي بجهود ومتابعة من الأخوة أعضاء إدارة النادي السابقة، وتوقف الدعم في بداية الإدارة الحالية ، واليوم تعفى أسرة الترجمة من مسئوليتها!.
إذا كان السبب أن الأسرة لم تنفذ ما وعدت به! علينا أن نفهم ونستسيغ أن أعضاء الأسرة هم متطوعون ولا يقبضون أجرا على ذلك، وإذا كنا نحاسبهم على ذلك علينا أن نحاسب إدارة النادي الثقافي أيضا ففي بداية الإدارة صرح رئيسها بأشياء وبمشاريع عديدة سينفذها النادي ولم تحدث رغم أن النادي مؤسسة مستقلة وبميزانية سنوية.
أثناء التفكير في كتابة هذا المقال اعتصرني حزن دفين أن تعفى أسرة الترجمة من مسؤليتها، ولا أحد من الكتاب والمثقفين احتج على ذلك في منابر الصحافة والثقافة؛ إلا من رحم ربك. كنت أحسب أن في اليوم التالي من تصريح المصدر المسؤول ( الذي لم تورده الصحافة اسمياً – لا أعرف لما ؟؟) ستقوم الأسر المنطوية تحت لواء النادي الثقافي بالإنسحاب بنفس طريقة اعفاء أسرة الترجمة (بالتصريح فقط) بالتصريح في إحدى الصحف اليومية وتقوم تلك الصحف ( إن كان هناك إنصاف منها) بإنزال صور إدارة النادي في الجريدة( كما فعلوا بأعضاء أسرة الترجمة).
لذا بما أني عضو في أسرة القصة اَقترح على إدارة الأسرة وأعضائها بالانسحاب من النادي الثقافي والانضمام إلى جمعية الكتاب والأدباء العمانيين؛ تعاضداً مع أسرة الترجمة التي ستنضم للجمعية، والعمل بأريحية مسؤولة، وبمسئولية حرة وهادفة تخدم هذا الوطن وتعفو نفسها من احراج الطرد والإعفاء والإقصاء والتهميش ...
الجميع يعلم أن أسرة الترجمة تشتغل في صمت دون بهرجة؛ واستماته باظهار صورة رئيستها دائماً وأبداً، وصور أعضاءها، ودون افتعال المجالس التي لا تغني ولا تسمن الثقافة في شيئ .

الاثنين، مايو 18، 2009

في ذم ميلتوس



لارفينتوس لماذا يتعامل معك وكأنك تحمل تلك الرائحة المريبة ؛ بداية من عقيدتك وانتهاءً بكتابتك ووطنيتك ؟.
لارفينتوس أنت الذي تعرف الرعب المقدس ؛ كما عرّفه نيكوس كازانتزاكي ( في زوربا ) :
" بعض البشر ، ممن هم أشجعهم ، يصلون إلى حافة الورقة . ومن هناك ، ننحني ، وأعيننا جاحظة ، وآذاننا ممدودة ، لمحو الفراغ .ونرتعد ، إننا نخزر تحتنا الهوة المرعبة ، ونسمع من بعيد أكثر فأكثر حفيف أوراق الشجرة الهائلة الأخرى ، ونحس بالنسغ يصعد من جذور الشجرة ، وينتفخ قلبنا . وهكذا ، ونحن منحنون على الهاوية ، نأخذ بالارتعاد ، بكل جسدنا ، وبكل روحنا ، رعباً ، وبدءاً من تلك اللحظة يبدأ .." .

الخوف الوجودي يخلق الأفكار المتضاربة ويجعل من لارفينتوس كائناً مُريباً يشك في كل شيء حتى في ذاته .
ماذا تريد؟
وإلى أين يتجه؟
ويتعامل معه بصيغة الريبة ، وصيغة الإحباط.. وبصيغة أنه يخون أثينا .
ولكن لارفينتوس كائن وطني ، وطني جداً ..
هو ليس مصلحاً اجتماعياً ولا سياسياً ولا مُسيساً ( بكسر الياء) ولا مُسيساً ( بفتح الياء) ؛ بل لديه رؤية ومنظور تجاه العالم ، وما يحدث فيه من خراب اجتماعي وأخلاقي وبشري ( من خلال الحروب المبجلة بالدم لا بارك الله في صانعيها ) ، لهذا نجد لارفينتوس منزعجاً ومتبرماً من تصرفات بعض البشر ؛ من حواليه ..

تجده لذلك ينصت جيداً لداخله ليحافظ عليه من فوضى الخارج ، ويركز جيداً على نظرته ليخلق كيمياءه الخاصة تجاه العالم من حوله .. وما يحدث داخل الكون ، التي اختلطت فيه دماء المقتولين بالقتلة الظالمين ، وأنا أتكلم الآن عن الإنسان الكوني .. ليس في حيز مواربة أو بقعة أو تربة لا تعني لي شيئا ما ، ولكن في حيز المجتمع الإنساني وحتى في الشعوب والمجتمعات المتقدمة ؛ نجد تلك الريبة والنظرة المتربصة والقصيرة والضيّقة ، تجاه كائن وكأنه مخلوق ؛ جاء من المريخ يحمل أفكاراً ستهدم العالم ..وستخرب أخلاق الأخلاقيين ، تجاه ما يحدث الآن وما حدث في الماضي وما سيحدث غداًَ ، لذلك لا بد أن نجد السّذج والرعاع ، سنجدهم في كل تربة مليتوس البغيض ، الذي خرج من طبقة الرعاع ، ألّب الناس ضد سقراط (والذي أعدم بوشاية كائن ساذج) ؛ لا يحمل هماً للإنسانية سوى أنه لا تعجبه أفكار سقراط ولا أفكار مريديه ، ولأنه متهم بتخريب عقول الشباب .







لذا نسمع من يقول أن لغة لارفينتوس متعالية بتجديفه ، ويكتب لكائنات لا تسكن على تربتنا وكويكبنا ؛ ولا نفهمه ..
هل المطلوب من لارفينتوس أن يجمهر الناس في لحظة كتابته للوح ما ؟.
هل سيقول دلوني ماذا أكتب عنكم ويجثو على ركبتيه حتى تفهموا ما يقال ؟.
مروني ماذا تريدون أن أُدّوِنَ في ألواحي !.
من يحس بالوجع الذي ينتظر لارفينتوس من هؤلاء الناس ، الرعاع منهم ؛ واستخدمُ المصطلح لأني لم أجد كلمة أخرى استخدمها ، ربما لقصر معجمي اللغوي لا احفظ كلمة أكثر سوءاً ، لأني لم أتعلم في مدرسة أثينا سوى الاحترام وكلمة نعم ، والإنصات للآخرين .
الآخرون الذين لا بد أن نحبهم ؛ رغم أننا لسنا كذلك ! .

إذا أنا منزعج من بشر وكائنات لا أحبها كثيراً ، لذا أكتب هذا الكلام في لوحي .. وما أراه لا يعجبني البتة ، وعن الذين لا يحبهم سقراط .
بكل بساطة لأن هناك كائنات تشبه البغيض مليتوس ، الذي وشى بسقراط ، والآن أكرر اسمه لكي أفضحه كثيراً ، وليعرف ويظهر للناس أنه شخص سيء ، وبالأكيد أن الناس كلهم وأنا منهم ، لا نحب الأشخاص السيئين والمُحبِِّطين والهدامين .. والذي بسبب مليتوس أُعدم سقراط .
زوجة سقراط أجهشت بالبكاء ، ونتفت شعرها ومزقت ثيابها ، كانت تصرخ :
" آه يا زوجي ! هذه آخر مرة تتكلم وآخر مرة ترى فيها أصدقاءك!".
يا له من رعب يتحمله هذا المليتوس ؛ تجاه ما يحدث لــ لارفينتوس ؛ من آخرين أيضاً قُدّر لهم أن يتحكموا في فكره وجسده ، لكن حتماً ليس في روحه ..
يا مليتوس أنا أذمك كثيراً لأنك سيء وجبان ومتحامل ولا تحب الخير ..
أتعرف آخر ما قال سقراط ، كان مداناً بديك :
" كريتون ، في ذمتنا ديك لايسكولاب . ادفع له ثمنه دون نقاش ".

حتى وهو يموت لم يكن يفكر فيكَ يا مليتوس !.




البُرتقالة ؛ بصيغة الغائب


البُرتقالة ؛ بصيغة الغائب
ليلة تدحرج الحجارة





لن أهديك الوجع الذي أحسه
وأنا أراقب خطوط كفيك
وأصابع قدميك الصغيرتين. المفلطحة .



الحَجرة الأولى :
المسألة لا تعني الماء الذي سال في الطرقات ؛ ولا حتى الحكايات التي كتبتها .. الحكايات المنبثقة من غيب الحرف الذي يعصى عليك الخروج ؛ كحجة تستخدمينها لإحتجاجك على ما يحدث في النهار ..

الغيمة لا تهتم إلا من يتذمر من سقوطها عليه .

وحتى أكون صائباً، ولا اتحذلق على ما حدث ؛ ستكوني هذه المرة مستمعة لحكاياتك من لساني هذا.. – الخاصة والعامة – التي وردت في متن سِفرك ولعناتكِ والليالي التي مرت وأنتي تنسجين الحكاية وراء أخرى . إذا لن أضيف شيئا البتة ؛ سوى أني سأعيد صياغة ما حدث في تلك الليلة – الليلة الأخيرة- التي سقطت فيها الحجارة ؛ وتدحرجت على البيوت الطينية وأصبحت تسكنها بدل أهلها .. الذين أصبحوا ، في العراء وبجانب منابع المياه ، وتحت ظلال الأشجار العطشى ..

حَجرتكِ قبل الصياغة :
كان الليل بدأ ينسج خيوطه ، وكنتَ تعباً ، اقترحتُ عليكَ أن تنتظر قليلا ؛ لأني أعرفك جيدا بأنك كائن ليلي ؛ واقترحت عليك أن تأخذ علبة جعة من الثلاجة – رغم أنك لا تحبذها ، لأنك لديك حساسية منها – لأنك كما أخبرتني سيظهر على جلد كفيك وقدميك طفح ؛ بعد يوم من شربها ؛ لذا أنك تتجنبها وتفضل السكوتش لهذا السبب – لكنك على ما أذكر تناولت علبتين وبدأت بالثالثة – كنت في منتصفها .. ساعتها كنت مرتبكاً وخائفاً ، كنت تعاني من فوبيا الحجارة المتساقطة ليلاً ؛ رغم مرور السنوات ، لم تستطع تجاوز المرحلة ..

إعادة صياغة حَجرتكِ واستبدالها بالحَجرة البُرتقالية:

ماذا حدث في الثنايا الماضية من الليلة المؤرِقة؟ حقيقة لم يحدث شيء البتة .. سوى أني حلمتُ أني ألهث وثمة حَجَرة رابضة على الطريق لونها برتقالي ..
حتى هنا لم يحدث شيء سوى الأرق المتكرر !

قلت : سأتجاوز الحَجرة البرتقالية . حاولتُ مراراً أن يهمد الجسد ولو لنصف ساعة ، ليس نتيجة الجهد الجسدي .. بل الأرق والخوف من أن تنطلق تلك البرتقالة من مكانها بجانب الطريق وتنثر جمجمتي المرتبكة من الداخل ..

* * *
سأترك لكِ على الطاولة ورقة وممحاة وقمر حزين...

* * *
تمنيت لو أجلس واستمع لصوت فيروز وأنا أشرب ماء دافئ .. وأبكي ، ولكن البرتقالة الحَجرية جاءتني وأنا هذه المرة جالس ..حاولتُ أن أحرف تفكيري عنها ؛ ثواني ثم ترجع للظهور وبشكل قوي ، حتى تأكدتُ أنها شكلت لي فوبيا ؛ لن تغادرني حتى الآخر ..!

* * *
عندما يحلُ المساء سأكون ناءٍ عنكِ .. أعلمُ أنكِ ستكوني حزينة ومرهقة.. لا تنتظريني – لن أرجع هذه الليلة

* * *

أبريل ما أقساه .. سينعق الغراب ؛ الغراب الذي أحببته .. بشكل عبثي لم أجد يوماً مبرراً لإنجذابي نحوه .. سوى لونه وشكله وصوته – هل يكفي؟ .


* * *

ستحترم رغبتي أنكَ! لن تنساني .. كإنسان كان يحلم بعالم مثالي ، وبسلام يعم العالم .

* * *

رأيتها تتحرك باتجاهي وتتحرك أشياء كثيرة بجانبها ، وكأني في صحراء مظلمة خالية من كل شيء سوى من الحجرة البرتقالية وهي تهجم عليّ ،وصفير الريح يكاد يصمني ، وضعت يداي على أذناي وأغمضت عيناي .. في انتظار الاصطدام الأخير !.

* * *

الليل/ الكتابة/ الأصدقاء / رائحة القهوة/الموسيقى / /أجراس الغبطة/ وصوت عصافيركِ ..
أكثر ما يحزنني ؛ أني سأرحل ووجهي للسماء ولن استطيع الإلتفات !.

* * *

سأرفع يدي ؛ كمحاولة أخيرة قبل أن تتدحرج الحجرة البرتقالية ..!!.


الحَجرة الثانية :

ما حدث في أبريل – القاسي - ، كانت السماء تمطر ورعود وبروق ؛ أخذت تهز المكان .. قبل أن يرتطم بالأرض ؛ رأس: مسعود بن صالح بن علي بن سعيد بن عبدالله بن محمد بن عبدالله بن خميس بن علي بن محمد بن عبدالله كهلان بن يقظان بن سيف بن حمود بن مالك بن مضر بن نبهان بن يعرب بن قحطان بن نزار بن عامير بن ماء السماء ..

مثبتٌ هذا الوجع – الإسمي - في حجرة صلدة !



حَجرة الزاوية :

لا أخافه ، بل لا أحبه .. لأنه يوجعني فيمن أحب .
ماء / تراب /سماء / هواء : نعت الحياة بهكذا تقسيم ، رجل يوناني ينتهي اسمه بحرف السين ..! .

ما يحدث الآن ..
أن الحَجرة اللعينة لا زالت تراقب حركاتي المنبعثة من حركات أصابع قدمي اليسرى ، ألحظ ذلك واستميت في المتابعة ؛ بتحريك أصابع قدمي اليمنى ..

سر الأسرار


أني أحبكِ !.

دائما ما أجادل الحجارة عن لونكِ المثبت أمام الحاضر المستقبلي ، هل ستستمر اللعبة أم ستواصلين الأمر بنفسك ، الموضوع برمته لا يحتاج لتفكير غامق ، بل بفكرة ذهبية لا تتكرر أكثر من لحظة ؛ أن الهروب من منتصف الطريق جيد ، وترك الحابل على النابل شيئا لا يخلو من مكر انساني / لاإنساني ، العبث بهذه الطريقة النكراء فعل أبيض لن يحتاج للون البرتقال ولا لرائحته في الصيف ، سأثير حفيظة ذاكرتكِ الشعرية / هذا همي ! .

لن ولن ولن ولن بالأربع أو حتى على اثنتين ..
أنتِ حاضرة غائبة ، متوحدة منقسمة ، ستحملين السراج ؛ المتبقي في الغرفة الطينية وتعبرين ، وسأبقى في الظلام ، أهاجم الخفافيش بيد عزلاء ، حتى أصفع نفسي ، من كثر الدوران حول الظلام الذي يلفني .

كنتِ تخافين البحر أن يداعب قدميكِ .. وتحطاطين منه ، لسبب واحد أن السر الذي أخبرتكِ به ، في المسافة بين اليابسة والبحر " البحر غادر سرق اللون الأزرق من السماء ، لا تبتهجي بلونه هو بلا لون خادع ؛ كما أنه أهداني صدفة من جوفه ذات مرة ؛ لأضعها بجانب سريري ، لأتذكره ، أتعلمين ماذا اكتشفت : أنه يتنصت على نومي وتقلبي في الفراش وينقل كل حركاتي إلى كائناته المخيفه ، أما كائناته الصغيرة والمغلوب على أمرها لم تصدقه لأنها عاشت الرعب الذي ينتظرها كل لحظة "
حَجرة الرابع من شوال من عام ألف واربعمائة وثمانية وعشرين

كنتُ في غفلة من أمري ؛ ورمت شرارتها عليّ وهربت ، هي في الحقيقة لم تكن الحجارة الأصلية التي تتبعني ؛ بل تشبهها ، أعرف جيداً الآن أنه مشاع في الكون؛ لكي أسقط ..على سبيل المجاز التاريخي المدمر .


هذا ما حدث بالضبط...