الاثنين، مايو 18، 2009

في ذم ميلتوس



لارفينتوس لماذا يتعامل معك وكأنك تحمل تلك الرائحة المريبة ؛ بداية من عقيدتك وانتهاءً بكتابتك ووطنيتك ؟.
لارفينتوس أنت الذي تعرف الرعب المقدس ؛ كما عرّفه نيكوس كازانتزاكي ( في زوربا ) :
" بعض البشر ، ممن هم أشجعهم ، يصلون إلى حافة الورقة . ومن هناك ، ننحني ، وأعيننا جاحظة ، وآذاننا ممدودة ، لمحو الفراغ .ونرتعد ، إننا نخزر تحتنا الهوة المرعبة ، ونسمع من بعيد أكثر فأكثر حفيف أوراق الشجرة الهائلة الأخرى ، ونحس بالنسغ يصعد من جذور الشجرة ، وينتفخ قلبنا . وهكذا ، ونحن منحنون على الهاوية ، نأخذ بالارتعاد ، بكل جسدنا ، وبكل روحنا ، رعباً ، وبدءاً من تلك اللحظة يبدأ .." .

الخوف الوجودي يخلق الأفكار المتضاربة ويجعل من لارفينتوس كائناً مُريباً يشك في كل شيء حتى في ذاته .
ماذا تريد؟
وإلى أين يتجه؟
ويتعامل معه بصيغة الريبة ، وصيغة الإحباط.. وبصيغة أنه يخون أثينا .
ولكن لارفينتوس كائن وطني ، وطني جداً ..
هو ليس مصلحاً اجتماعياً ولا سياسياً ولا مُسيساً ( بكسر الياء) ولا مُسيساً ( بفتح الياء) ؛ بل لديه رؤية ومنظور تجاه العالم ، وما يحدث فيه من خراب اجتماعي وأخلاقي وبشري ( من خلال الحروب المبجلة بالدم لا بارك الله في صانعيها ) ، لهذا نجد لارفينتوس منزعجاً ومتبرماً من تصرفات بعض البشر ؛ من حواليه ..

تجده لذلك ينصت جيداً لداخله ليحافظ عليه من فوضى الخارج ، ويركز جيداً على نظرته ليخلق كيمياءه الخاصة تجاه العالم من حوله .. وما يحدث داخل الكون ، التي اختلطت فيه دماء المقتولين بالقتلة الظالمين ، وأنا أتكلم الآن عن الإنسان الكوني .. ليس في حيز مواربة أو بقعة أو تربة لا تعني لي شيئا ما ، ولكن في حيز المجتمع الإنساني وحتى في الشعوب والمجتمعات المتقدمة ؛ نجد تلك الريبة والنظرة المتربصة والقصيرة والضيّقة ، تجاه كائن وكأنه مخلوق ؛ جاء من المريخ يحمل أفكاراً ستهدم العالم ..وستخرب أخلاق الأخلاقيين ، تجاه ما يحدث الآن وما حدث في الماضي وما سيحدث غداًَ ، لذلك لا بد أن نجد السّذج والرعاع ، سنجدهم في كل تربة مليتوس البغيض ، الذي خرج من طبقة الرعاع ، ألّب الناس ضد سقراط (والذي أعدم بوشاية كائن ساذج) ؛ لا يحمل هماً للإنسانية سوى أنه لا تعجبه أفكار سقراط ولا أفكار مريديه ، ولأنه متهم بتخريب عقول الشباب .







لذا نسمع من يقول أن لغة لارفينتوس متعالية بتجديفه ، ويكتب لكائنات لا تسكن على تربتنا وكويكبنا ؛ ولا نفهمه ..
هل المطلوب من لارفينتوس أن يجمهر الناس في لحظة كتابته للوح ما ؟.
هل سيقول دلوني ماذا أكتب عنكم ويجثو على ركبتيه حتى تفهموا ما يقال ؟.
مروني ماذا تريدون أن أُدّوِنَ في ألواحي !.
من يحس بالوجع الذي ينتظر لارفينتوس من هؤلاء الناس ، الرعاع منهم ؛ واستخدمُ المصطلح لأني لم أجد كلمة أخرى استخدمها ، ربما لقصر معجمي اللغوي لا احفظ كلمة أكثر سوءاً ، لأني لم أتعلم في مدرسة أثينا سوى الاحترام وكلمة نعم ، والإنصات للآخرين .
الآخرون الذين لا بد أن نحبهم ؛ رغم أننا لسنا كذلك ! .

إذا أنا منزعج من بشر وكائنات لا أحبها كثيراً ، لذا أكتب هذا الكلام في لوحي .. وما أراه لا يعجبني البتة ، وعن الذين لا يحبهم سقراط .
بكل بساطة لأن هناك كائنات تشبه البغيض مليتوس ، الذي وشى بسقراط ، والآن أكرر اسمه لكي أفضحه كثيراً ، وليعرف ويظهر للناس أنه شخص سيء ، وبالأكيد أن الناس كلهم وأنا منهم ، لا نحب الأشخاص السيئين والمُحبِِّطين والهدامين .. والذي بسبب مليتوس أُعدم سقراط .
زوجة سقراط أجهشت بالبكاء ، ونتفت شعرها ومزقت ثيابها ، كانت تصرخ :
" آه يا زوجي ! هذه آخر مرة تتكلم وآخر مرة ترى فيها أصدقاءك!".
يا له من رعب يتحمله هذا المليتوس ؛ تجاه ما يحدث لــ لارفينتوس ؛ من آخرين أيضاً قُدّر لهم أن يتحكموا في فكره وجسده ، لكن حتماً ليس في روحه ..
يا مليتوس أنا أذمك كثيراً لأنك سيء وجبان ومتحامل ولا تحب الخير ..
أتعرف آخر ما قال سقراط ، كان مداناً بديك :
" كريتون ، في ذمتنا ديك لايسكولاب . ادفع له ثمنه دون نقاش ".

حتى وهو يموت لم يكن يفكر فيكَ يا مليتوس !.




البُرتقالة ؛ بصيغة الغائب


البُرتقالة ؛ بصيغة الغائب
ليلة تدحرج الحجارة





لن أهديك الوجع الذي أحسه
وأنا أراقب خطوط كفيك
وأصابع قدميك الصغيرتين. المفلطحة .



الحَجرة الأولى :
المسألة لا تعني الماء الذي سال في الطرقات ؛ ولا حتى الحكايات التي كتبتها .. الحكايات المنبثقة من غيب الحرف الذي يعصى عليك الخروج ؛ كحجة تستخدمينها لإحتجاجك على ما يحدث في النهار ..

الغيمة لا تهتم إلا من يتذمر من سقوطها عليه .

وحتى أكون صائباً، ولا اتحذلق على ما حدث ؛ ستكوني هذه المرة مستمعة لحكاياتك من لساني هذا.. – الخاصة والعامة – التي وردت في متن سِفرك ولعناتكِ والليالي التي مرت وأنتي تنسجين الحكاية وراء أخرى . إذا لن أضيف شيئا البتة ؛ سوى أني سأعيد صياغة ما حدث في تلك الليلة – الليلة الأخيرة- التي سقطت فيها الحجارة ؛ وتدحرجت على البيوت الطينية وأصبحت تسكنها بدل أهلها .. الذين أصبحوا ، في العراء وبجانب منابع المياه ، وتحت ظلال الأشجار العطشى ..

حَجرتكِ قبل الصياغة :
كان الليل بدأ ينسج خيوطه ، وكنتَ تعباً ، اقترحتُ عليكَ أن تنتظر قليلا ؛ لأني أعرفك جيدا بأنك كائن ليلي ؛ واقترحت عليك أن تأخذ علبة جعة من الثلاجة – رغم أنك لا تحبذها ، لأنك لديك حساسية منها – لأنك كما أخبرتني سيظهر على جلد كفيك وقدميك طفح ؛ بعد يوم من شربها ؛ لذا أنك تتجنبها وتفضل السكوتش لهذا السبب – لكنك على ما أذكر تناولت علبتين وبدأت بالثالثة – كنت في منتصفها .. ساعتها كنت مرتبكاً وخائفاً ، كنت تعاني من فوبيا الحجارة المتساقطة ليلاً ؛ رغم مرور السنوات ، لم تستطع تجاوز المرحلة ..

إعادة صياغة حَجرتكِ واستبدالها بالحَجرة البُرتقالية:

ماذا حدث في الثنايا الماضية من الليلة المؤرِقة؟ حقيقة لم يحدث شيء البتة .. سوى أني حلمتُ أني ألهث وثمة حَجَرة رابضة على الطريق لونها برتقالي ..
حتى هنا لم يحدث شيء سوى الأرق المتكرر !

قلت : سأتجاوز الحَجرة البرتقالية . حاولتُ مراراً أن يهمد الجسد ولو لنصف ساعة ، ليس نتيجة الجهد الجسدي .. بل الأرق والخوف من أن تنطلق تلك البرتقالة من مكانها بجانب الطريق وتنثر جمجمتي المرتبكة من الداخل ..

* * *
سأترك لكِ على الطاولة ورقة وممحاة وقمر حزين...

* * *
تمنيت لو أجلس واستمع لصوت فيروز وأنا أشرب ماء دافئ .. وأبكي ، ولكن البرتقالة الحَجرية جاءتني وأنا هذه المرة جالس ..حاولتُ أن أحرف تفكيري عنها ؛ ثواني ثم ترجع للظهور وبشكل قوي ، حتى تأكدتُ أنها شكلت لي فوبيا ؛ لن تغادرني حتى الآخر ..!

* * *
عندما يحلُ المساء سأكون ناءٍ عنكِ .. أعلمُ أنكِ ستكوني حزينة ومرهقة.. لا تنتظريني – لن أرجع هذه الليلة

* * *

أبريل ما أقساه .. سينعق الغراب ؛ الغراب الذي أحببته .. بشكل عبثي لم أجد يوماً مبرراً لإنجذابي نحوه .. سوى لونه وشكله وصوته – هل يكفي؟ .


* * *

ستحترم رغبتي أنكَ! لن تنساني .. كإنسان كان يحلم بعالم مثالي ، وبسلام يعم العالم .

* * *

رأيتها تتحرك باتجاهي وتتحرك أشياء كثيرة بجانبها ، وكأني في صحراء مظلمة خالية من كل شيء سوى من الحجرة البرتقالية وهي تهجم عليّ ،وصفير الريح يكاد يصمني ، وضعت يداي على أذناي وأغمضت عيناي .. في انتظار الاصطدام الأخير !.

* * *

الليل/ الكتابة/ الأصدقاء / رائحة القهوة/الموسيقى / /أجراس الغبطة/ وصوت عصافيركِ ..
أكثر ما يحزنني ؛ أني سأرحل ووجهي للسماء ولن استطيع الإلتفات !.

* * *

سأرفع يدي ؛ كمحاولة أخيرة قبل أن تتدحرج الحجرة البرتقالية ..!!.


الحَجرة الثانية :

ما حدث في أبريل – القاسي - ، كانت السماء تمطر ورعود وبروق ؛ أخذت تهز المكان .. قبل أن يرتطم بالأرض ؛ رأس: مسعود بن صالح بن علي بن سعيد بن عبدالله بن محمد بن عبدالله بن خميس بن علي بن محمد بن عبدالله كهلان بن يقظان بن سيف بن حمود بن مالك بن مضر بن نبهان بن يعرب بن قحطان بن نزار بن عامير بن ماء السماء ..

مثبتٌ هذا الوجع – الإسمي - في حجرة صلدة !



حَجرة الزاوية :

لا أخافه ، بل لا أحبه .. لأنه يوجعني فيمن أحب .
ماء / تراب /سماء / هواء : نعت الحياة بهكذا تقسيم ، رجل يوناني ينتهي اسمه بحرف السين ..! .

ما يحدث الآن ..
أن الحَجرة اللعينة لا زالت تراقب حركاتي المنبعثة من حركات أصابع قدمي اليسرى ، ألحظ ذلك واستميت في المتابعة ؛ بتحريك أصابع قدمي اليمنى ..

سر الأسرار


أني أحبكِ !.

دائما ما أجادل الحجارة عن لونكِ المثبت أمام الحاضر المستقبلي ، هل ستستمر اللعبة أم ستواصلين الأمر بنفسك ، الموضوع برمته لا يحتاج لتفكير غامق ، بل بفكرة ذهبية لا تتكرر أكثر من لحظة ؛ أن الهروب من منتصف الطريق جيد ، وترك الحابل على النابل شيئا لا يخلو من مكر انساني / لاإنساني ، العبث بهذه الطريقة النكراء فعل أبيض لن يحتاج للون البرتقال ولا لرائحته في الصيف ، سأثير حفيظة ذاكرتكِ الشعرية / هذا همي ! .

لن ولن ولن ولن بالأربع أو حتى على اثنتين ..
أنتِ حاضرة غائبة ، متوحدة منقسمة ، ستحملين السراج ؛ المتبقي في الغرفة الطينية وتعبرين ، وسأبقى في الظلام ، أهاجم الخفافيش بيد عزلاء ، حتى أصفع نفسي ، من كثر الدوران حول الظلام الذي يلفني .

كنتِ تخافين البحر أن يداعب قدميكِ .. وتحطاطين منه ، لسبب واحد أن السر الذي أخبرتكِ به ، في المسافة بين اليابسة والبحر " البحر غادر سرق اللون الأزرق من السماء ، لا تبتهجي بلونه هو بلا لون خادع ؛ كما أنه أهداني صدفة من جوفه ذات مرة ؛ لأضعها بجانب سريري ، لأتذكره ، أتعلمين ماذا اكتشفت : أنه يتنصت على نومي وتقلبي في الفراش وينقل كل حركاتي إلى كائناته المخيفه ، أما كائناته الصغيرة والمغلوب على أمرها لم تصدقه لأنها عاشت الرعب الذي ينتظرها كل لحظة "
حَجرة الرابع من شوال من عام ألف واربعمائة وثمانية وعشرين

كنتُ في غفلة من أمري ؛ ورمت شرارتها عليّ وهربت ، هي في الحقيقة لم تكن الحجارة الأصلية التي تتبعني ؛ بل تشبهها ، أعرف جيداً الآن أنه مشاع في الكون؛ لكي أسقط ..على سبيل المجاز التاريخي المدمر .


هذا ما حدث بالضبط...