عشر سنوات وهذا الغراب يطاردني ؛ بزرقة الفكرة ؛ وأنا أحمله متنقلاً في الزمان والمكان ، كلما ابتعدت عنه ازداد هو وضوحاً ، وكلما اقتربتُ منه أحسستُ بعدميته .. قلت سأحاول أن أقترب .. أقترب ..
أقترب أكثر ، لكي ..!
( المشهد الأول )
- خشبة المسرح مظلمة تماماً .
- أصوات لحشرات ليلية ، ومن ثم ينبعث صوت غراب ( تدريجياً ) ، حين يكتمل ( نمو ) صوت الغراب وضوحاً ، تدخل موسيقى صاخبة ، يرتفع الصوت تدريجياً في هذه الأثناء يظهر شاب بملابس حديثة وشبه ممزقة وفضفاضة وهو يركض ، وكأنه يهرب من شيء ما سيؤذيه ( يكون الضوء يطارده ) ، وفي نفس الوقت تزداد حدة الموسيقى ( في حالة ترقبية وكأن شيئاً ما سيحدث لذلك الرجل ) بعدها قفله مفاجئة لكل ذلك الصخب .
- المدة من ظهور الرجل حتى تقفل الموسيقي لا تقل عن خمس دقائق .
- يستمر صوت الغراب لمدة دقيقتين ، وينخفض تدريجيا ومن ثم صمت لفترة وجيزة تنبعث بعدها أصوات لحشرات ليليه .
- أثناء صوت الغراب تكون على المسرح ظلال هلامية (وهو شبه مظلم ).
- بعد ظهور أصوات الحشرات الليلية ، يسلط ضوء أزرق علي الرجل ؛ بحيث يكون وقتها نائم بجنينية ليشكل الضوء المسلط عليه شكل الرحم .
- لا تنسي أن الرجل يكون موقعه في وسط خشبة المسرح من الأمام .
- ينبعث في هذه الأثناء صوت الغراب ويكون مصدره مكان بعيد ناءٍ ، وكأنه يغادر المكان ؛ قهقهة لإمرأة ( بصوت ساحر ) إظلام تام يتزامن مع اختفاء صوت الغراب وقهقهة المرأة .
"إظـــــــــــــــــلام"
( المشهد الثاني )
- صوت الغراب يقترب ( تدريجياً ) وعند اكتمال صوت الغراب يختلط مع صوت الرجل ، ظلال لطيور سوداء تهاجم الرجل وهو يدافع بيديه ...
الرجل : لا ..لا ، لا أريد .. كفى .. لالا ..لا ( بصوت عالي مفزع /مفاجئ ) .
* فجأة يختفي صوت الغراب والظلال الهلامية .
الرجل : إلى متى هكذا ؟ ( وهو ينشج ، وكأنه يكلم نفسه ) قلت له مراراً :
اتركني .. لن أذهب معك ، وهو لا يريد ذلك ، إنها ورطتي التي جئت بواسطتها ؛ دون إرادتي ! ، لماذا ..لمااااااااااذا ؟
*ينحرف الضوء المسلط على الرجل فجأة بعد آخر كلمة لتشاركه الضوء والحوار امرأة ، لم تكن ظاهرة من قبل ؛ كانت مهملة في الظلام .
المرأة : هل ستبقى هكذا .. ؟
* ينظر إليها الرجل بنظرة حائرة ، وكأن الكلام لا يعنيه . يصمت .
المرأة : وهل صمتك سينهي كل شيء ؟
الرجل : على الأقل سيخفف النزيف الداخلي ! ( دون أن ينظر باتجاهها ) .
المرأة : بالعكس سيزيده .
وأحذرك من هذه اللعبة النفسية ، لأنها قاتلة .
* في هذه الأثناء يظهر صوت الغراب وكأنه يمر على المكان ، يلتفت لحظتها الرجل فزعاً ، ويخبيء وجهه بين يديه ، وعندما يختفي الصوت ينزل يديه عن وجهه بمقدار ما يرى ، حين يتأكد من اختفاء صوت الغراب فيزيحهما بطريقة هستيرية متشنجة .
المرأة : عهدتك قوياً ؟)
الرجل : عن أي قوة تتكلمين ؟ ( يقولها وهو ينظر حوله
المرأة : لا تبحث كثيراً .. إنها داخلك ! ( تقهقه بسخرية ) .
الرجل : أتؤمنين بما تقولين ؟!( وكأنه لا ينتظر جواباً على سؤاله يواصل كلامه )
كنتُ طفلاً ؛ لا أفهم شيء من ذلك ، صار كل شيء يعصرنِ : المرض .. الحزن ، أصبحتُ لا أؤمن بشيء ما ! ، أنا ضعيف ..
المرأة : ولكنك في نفس الوقت قوي .. قوي جداً !
الرجل : أتسخرين ؟!
ضعيف ولكني قوي .. قوي جداً ؟!
( يطرح السؤال وكأنه يبحث عن تفسير في داخله يردده ثلاث مرات )
المرأة : لست أسخر منك ، ولكن الضعف يكمن في القوة والقوة في الضعف ، كالهزيمة في النصر والنصر في الهزيمة مثلاً !
الرجل : ولكنه هو .. هو كل شيء ، أما أنا فضعيف .. ضعيف جداً .
( وكأنه يهذي ) ضعيف ..، قوي وأنا ضعيف ..؟!ضعيييييييييييييف...
المرأة : ضعيف ؟! وأنت الذي شيدت كل شيء ؟!
الرجل : لست أنا .. أنا أشرت بذلك ، ولكن في الحقيقة هم الذين شيدوه . بسواعدهم ، بأجسادهم .. ! .
المرأة : لكنك شيدته هنا ( تشير إلى رأسها ) وهم نقلوه من رأسك إلى الواقع .
الرجل : صحيح ذلك .. ولكن القوة الحقيقية ليست هذه ... !
( تقاطعه )
المرأة : لماذا تحاول أن تقنع نفسك ، أنك الأضعف وأنك الجانب السلبي من المعادلة ؟
الرجل : لأني أحن إلى زمن مضى .
* تدخل موسيقى هادئة مصاحبة لكلام الرجل .
الرجل : كان المطر يغسل كل شيء ؛ ما أجمل قطرات المطر وهي تنزل على أوراق الشجيرات الصغيرة تحممها بحنان أمومي . تخضّر الأوراق ، ومن ثم تطلع الشمس تدفيء الكون ، أكون ساعتها مستلقياً إلى أن أحس بمنقار العصفور ..وهو يداعب جبهتي ، كنت ُ أنزل إلى النهر وأنا أراقب السماء صافية ...
* يظهر صوت الغراب فجأة بصوت مزعج ( ويكون هذه المرة للصوت صدى ) يستمر الصوت مع ظلال هلامية سوداء ، يبدأ الرجل بالصراخ بصوت عالي وكأن روحه تنسل .. ( ولكن غير مسموع ، فقط من خلال تعابير الصراخ على وجهه ) وهو يحبو على يديه ورجليه .. في الأخير يتجه إلى المرأة فيخبيء رأسه في حجرها ، عندها يختفي الصوت تدريجياً ، ويعم المكان ضوء أزرق ، وصوت لناي تصاحبه أصوات لحشرات ليلية ، وكأن الليل تمكن من الوجود .
"إظــــــــــــلام"
( المشهد الأخير )
- يبدأ المشهد وكأنه في آخر لحظات الفجر ، يبدأ ضوء خفيف مشّرب بالحمرة بالظهور ببطء لا يدرك ، يكون الرجل مضطجعاً على يده اليمنى ، لا أحد يشاركه الخشبة .
- تدخل موسيقى هادئة ويظهر فيها صوت الساكسفون بوضوح ، بشكل لا يفسد هدوء الموسيقى ( يحبذ الإستعانة بإحدى مقطوعات Kenny G. الساكسفونية ) ، ومن ثم تبدأ الموسيقى وكأنها توقظ الرجل ؛ برنات لطيفة وكأن يداً تنتشله من أحلامه بلطف .
- يسلط ضوء خفيف على الرجل ، بحيث يعكس ظله على جدار المسرح الخلفي .
- عندما يستيقظ الرجل يبدأ يتلفت وكأنه يبحث عن المرأة ؛ ويبدأ يتذكر اللحظات الأخيرة في المشهد السابق بالإيماء وبآخر حركة قام بها .
الرجل : يا .. أنتِ . تتخلين عني .. الآن ، وأنتِ السبب في كل شيء ( يتكلم وهو يبحث عن المرأة في أرجاء المكان ) في السابق شجعتني كثيراً ، وها أنتِ تغادرين كل شيء ، إلا ذاكرتي المجنونة ..
*يظهر صوت المرأة من الظلام دون أن يعرف من أي مكان بالضبط يخرج صوتها .
المرأة : يا هذا ، لماذا تسقط عليّ كل شيء ،أو أنت لا شيء .. فراغ ؟! ، ولو أسلمنا بذلك الفراغ فهو على الأقل يشغل حيز من الوجود .
* بعد أن أنصت إلى كلامها وهو واقف على ركبتيه بدون حراك ( بإصغاء مركّز ) .
الرجل : أين أنتِ ؟ اظهري لي ، ومن ثم أكلمكِ ، لن أكلمك أبداً حتى تظهري لي .
المرأة : لماذا أظهر لك وأنت تسقط كل أفعالك عليّ أنا ، أنا الموجود البسيط ، ماذا باستطاعتي أن أفعل ؟ ( الجملة الأخيرة تقولها بشماتة المنتصر وتضحك )
الرجل : صحيح أنكِ غير موجودة .. ولكنك موجودة ! فأنت تملئين كل شيء حولي ..
المرأة : امحني من ذاكرتك .. ( ومن ثم بصوت منخفض ) إن استطعت .
الرجل : كيف ؟ ليتني أستطيع ذلك ، أو أتهزئين بي ؟ من أنا حتى أفعل كل شيء .
المرأة : هاهاها ... هاهاهاها ...هاهاها ( تضحك بتوحش )
*يتراجع الرجل بخوف ظاهر .
الرجل : ما ..ما .. ماذا حل بكِ ؟ (بتلعثم )
المرأة : لا تخف ..هاهاها ، أيخاف شيء ما من ظله ؟!
أنا ظلك فقط ، أنا العورة التي كنت تحاول إخفائها دائماً ، أتخاف مني وأنت السيد .. الآمر الناهي !
* وكمن باغته الغضب ينفجر ..
الرجل : أتهزئين مني ، وأنا أحمل كل هذه الإنكسارات في داخلي .. بسببك ، كل عثرة في حياتي ، عليها بصمتكِ .. أنتِ.
كان كل شيء هاديءً ورتيباً .
اللعنة ( وكأنه تذكر خطأه الفادح ) قلت : سأستأنس بشيء ما ، يشاركني فرحي..
* تقاطعه
المرأة : بل قل يشاركك شرك .
الرجل : وهل كان هذا الأخير موجوداً ، أنت من أحضره .
المرأة : أنا لم أحضر شيئاً .. أنه موجود في داخلك ، في كل واحد منا هنا ( تشير إلى صدرها ) يوجد الخير والشر .
تسقط الشر عليّ أنا فقط ؟!
الرجل : لا بل هو أيضاً ..
المرأة : هو هو( تضحك ) ومن هو ؟ هو ليس موجوداً أصلاً ، ولا تنسى أنه في الأسفل ، كيف يأمر من كان في الأسفل من هو في الأعلى منه ،أيصح ذلك يا عزيزي ؟!
الرجل : خطأه ، نعم خطأه .. لماذا العناد ؟ إذا كان كما تقولين في الأسفل ، فلماذا هذا الأسفل لا يتلقى مما يمليه الأعلى ؟
المرأة : ألم أقل لك ، أنك تريد أن تكون أكثر مما أنت عليه ؟!
* يقاطعها
الرجل : ليس كذلك .. ولكن .. ولكن ..
لا أريد أن أتكلم الأفضل أن أصمت !
المرأة : تصمت ؟! ( باستهزاء ) من قبل قلت : ستصمت ، ألا تلاحظ أنك تتكلم أكثر مما تفعل .
* يصمت الرجل ولا يتكلم .
المرأة : أين أنت ، لم سكت ؟
الرجل : ......... ( يصمت )
المرأة : سأجعلك تمرة فاسدة ! ، لن استجيب لصراخك أبداً هذه المرة .
هاهاهاهاهاهاهاها ( تواصل الضحك بطريقة مخيفة وفاحشة في نفس الوقت )
- يبدأ صوت الغراب بالظهور مباشرة قبيل الإنتهاء من ضحك المرأة وبموسيقى ( تبدأ بصوت منخفض ) صاخبة وكأن شيئاً ما قادم ، وأصوات لهمهمة رجال .
- في هذه الأثناء يبدأ الرجل بالتحرك في المسرح ، وكأنه ينتظر ساعته المرتقبة .
- يرتفع الصوت تدريجياً وظلال هلامية سوداء وصوت الغراب يسيطر على المكان .
- فجأة يسلط الضوء على المرأة بعد أن كانت مختبئة في إحدى زوايا المسرح.
- يكون المشهد مخيفاً أكثر مما نتوقع بالنسبة للرجل والمرأة ، وكلاهما يترقب شيئا ما سيحدث له ، مرة يمشيان إلى الخلف ، حتى يصطدما مبتعدين فزعا .
- يحاول كلاهما أن يحتمي بالآخر ، ولكنهما يكونان بعيدين عن بعضهما ، وكأن أحدهما خائف أن يقترب من الآخر .
-والموسيقى وهمهمت الرجال تزداد حدة ، وتتغير الموسيقى من مرعب إلى ترقبي ، إلى ضربة قاصمة ، وهكذا ..
- في الأخير تُأزم الموسيقى والظلال الهلامية المشهد بتسارعة ( تفجر الوضع )، والاتجاه إلى القفلة المخيفة .
- تنطلق صرختا الرجل والمرأة يصاحبنَ القفلة ( بصوت واحد ) ويسقط كل واحد منهما في جهة ولكن في خط مستقيم ، ويكون شكل الأيدي والأرجل مفتوحة حتى الآخر ، وتخف الأضواء الهلامية ، بعد أن تحوم عليهما .
- بعد الإظلام يلمع البرق ومن ثم يظهر ضوء أزرق خفيف ، ويبدأ صوت المطر يعم المكان ( وكأنه يغسل كل شيء ) ، وكأن الوجود في غفلة عن شره .
"إظــــــــــــلام"
ملحق
· بين المشهد والذي يليه ( أثناء الإظلام ) صوت تكتكت عقارب الساعة ( بشكل مقلق ) .
· في عموم المسرحية يحبذ إدخال موسيقى تشايكوفسكي بالنسبة للمشاهد الترقبية.
· وموسيقى باخ ( الجنائزيات ) في المشاهد الأخرى .
· بالنسبة للموسيقى للمخرج حرية اختيار ( الحركات / المقطوعات ) بما يتناسب مع فكرة اللحظة والمشهد والنص عموماً .
· المشهد الأخير لا ضير من إدخال بعض الزيادة ( دون النقصان ) في السنوغرافية ، حسب رؤية المخرج ؛ مع شرط أن لا يضر بالفكرة ( بشكل يأزم الختام ؛ لتصل الفكرة إلى أوج تألقها بالنسبة للمتلقي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق