الثلاثاء، أكتوبر 18، 2011

في رثاءِ أثركِ واقتفائه

في هجيع الليل تتنزل تنانين الذكرى باردة ، تشبه الحمى الحميمة للروح ، لوجه غادر طين الجسد وسكن سماء الحنين ؛ هناك لكِ مسافة للرثاء .

- هذا رثاء لروح حية ، أم لغياب جسد وصوت وصورة؟!.

يأتي الصوت بقسوته ؛ من عتمة الغياب .

هل لي غير الروح المنثورة بين ضفاف الكلمات ، أتهجد بها في النسيان ؟!.

لِيُعْلَمْ أنك تهذين باسمي ، وتلهجين به في نومكِ ومماتكِ.

اذهبي إلى حيث تركتُ سمكة روحي على صخرة الخضر ، سمكة روحي الميتة، التي تركتها على شمس الظهيرة طرية الملمس لتخشّن قليلاً بالموت . هنيئاً لي غثياني ، هنيئاً لي ضيقي وبهتاني ودمامتي ، بحاري وترابي وأمطاري الجافة .

مُرّي باتجاه الساعة لتبقيني ، لا تقفزي على قلبي ؛ ولا منه ، كوني وسادته التي يبقى بها، لأجل ذلك صَنع الحجر ماءً رقراقاً يُحي الموات ، ويبقي الزئبق . انكفئي عليّ قبل الظلام ، قبل أن تمر البومات وتذهب بإصبعي . لا شيء غير اللاشيء . أحبيني قليلاً بفرشاة جنوني التي تنبثق كل صباح ، عندما تكون بوهيمية / مجنونة /نزقة ، ولا تنتمي إلى أحد . لا تأسفي على شيء كان منسيا ، أميطي حجابكِ الحجري ، لتشمي الياسمين ؛ وهو يخرج من تحت إبطيكِ الطاهرين ، أيتها المبجلة بالرياحين ، شيعيني بالكلمات حتى نهاية النقطة . في هذا اليوم رُفعت الحجب وأنشق الطريق/ شمس اليوم الساطعة/ حرف النسيان/تميمة الوقت / سرتكِ/ حكايات البحر والصدفة/ شعركِ الذي يلعب بالريح !.

لا تأبهي اليوم لي فأنا مرسول إليكِ ، أدفعُ الباب ..وأخرجُ . تعالي مع الريح ... فيما أهمُ أن أغرق ، رُفعتْ الحُجب وأنكشفَ التراب. لا تضعي الإبر على وجهكِ حتى لا تؤذيني !.

يا صانعة الحكاية الباذخة للوجع ، يا من علمتني اسم الفرس الخسران .لا تهمسي للتراب عن حكاية الماء ووردتكِ المسحورة . ألا تعرفينه هذا النكرة، الماضي بلا اسم وبلا معنى؟ ، ألا تقتلينه باسم ما أو صوت ما أو إشارة ما ؟! ألا تفعلينه لكي يحيا ؟.

لا تسأمي جنونه فقد ملّ حتى الطيور والأطفال ، اذهبي لا بأس .. اذهبي بلا وجه القمر ، لا تذهبي وراء الرمل فتذهب ريحي ... سمكة الروح.

هل لاكتكِ الحروف ، كما لاكني الضجر؟

وهل تأنسين بوجع الأشياء ؛ كما أستأنس بها ؟

ليكن الحرف نور دربكِ الممتد ، وسماء علياءكِ الباهرة ، لا تحري في وقفتكِ ، ولا تطيلي الوقوف فيها ...

اسكبي ضحكتكِ على قلبي وشريانه ! كسمكة طرية هو ، وكصياد ماهر يافع كنتِ !.

اذهبي بالماء والتراب وبالياسمين الأبيض ، وانثري وجعي المتعفن بخيانات الأصدقاء الصغيرة ؛والتافهة . لا تعيديني كما أشاء ...أتركِ الأشياء تجسدني على الظلال المارقة عن حقيقتها!.

مررتُ على وجهكِ كسحابة هاربة ؛ سحابة ظمآ في قطع مسافات ضوئية في السديم المعتكر ؛ بصوت العصافير الميتة . هناك أنتِ حيث أكتبكِ وأعيشكِ كما تشاء الحروف والأشياء ، وكما يشاء الرمل الميت ، الخارج عن رغبة البحر .. هل أنتِ بحر ؟!.

بالورد والبَرّد أحمّسُ اسمكِ وأغسله . قرأتكِ ذات كتاب لا أعرفه وعرفتُ قراءة حرف لا أكتبه .لا تشمتي بالحرف المفقود ، كما لا أسخر أنا من تاء النسوة والجمع السالم ، وأستاذ الحكايات ؛ الذي أخبرني : أن مخترع موسى حلاقة الذقن "شاذ" ؛فتركتُ الكرسي له وذهبتُ أتفقه في جسدكِ ؛ وأنشد خلاصي في وجهكِ ؛ الذائب في الشجر ،ورويتُ الأشجار عن بكرة بذرتها !. ماء الفقد الأزلي والعرجون الكسيح ، وجمعت لكِ أيضاً ما تبقى من أخبار الجان وحكايات السحرة ، والجنية التي تضاجع معلم القران .

شعركِ طري كالرمل ؛ يلتاذ به وجهي وحزني . وجه البحر اللازورد يعرفكِ .. يعرف خطواتكِ وممشاكِ وهمزاتكِ وسكناتكِ . يفسدني أثركِ في التيه ووجهكِ في المرآة ..لا تذهبي فتذهب روحي ، إبقي كما شئتُ من ألم .

حكاياتكِ الماثلة أمام السحاب تعيد ترتيب الأشياء بين حروف الحكاية ، تركتكِ هناك تجمعين لي فتات فرحي أيتها الندية!.ألم أقل لكِ ذات نهار ذائب : أنك كل أمطاري التي أشتهيها في صيفي القاتل ؟ ؛ هذا الصيف صارت الأمور بشكل يليق بموت محترم ؛ كأن تنصهر على كرسي هزاز !.

تحكين لي بعدكِ المفترض وعن مقاساتكِ ومواصفاتكِ لفارسكِ المبجل . تركتني في بداية صيف قائظ ، وكنتِ تعتمرين قلبي منذ بداية نهاية صيف العام الفائت ...هل مازلتِ في شتائكِ الفائت ؟.

فلتسامحني الأشياء وأنا أقتفيكِ : صوت العصافير/ ثغاء الشياة في المقبرة / رائحة الطلع / تنهيدة الفقراء / خرير ساقية الفلج /صوت الضاضو / زهر الأكاسيا / رائحة البل في الشتاء ...

ليغفر لي الله إسرافي الكلام عنكِ ولكِ ؛ ولكن الحرف يتبع هواه حتى لا يسقط في تيه الصمت المظلم .

يا لغيابكِ عن الدرب ، يا لحضورك في القلب . يا ثمرة الروح في بستان اللذة !.شعركِ الليلي / كحلكِ / رمشيكِ / قهوتكِ الصباحية :

يذكرني بنهارات مجنونة !.

ضمختِ الحرف بالشوق وبخرتِ أعمدة السر بعطركِ وبرائحة صابونكِ ، ببعدكِ وبنأيكِ صار للحكاية درب أقتفيه /أمطاركِ صارت بُرَكاً من الحزن ..!.

عليكِ مني السلام يا أيتها العابرة ، المنسوجة من خيط الحكاية ،وعنك السلام ...

عليك السلام ... ومنك السلام .

عليك السلام ... ومنك السلام .

ها أنا مرة أخرى أهذي باسمكِ وبوجعي لكِ وعليكِ .

- أني أحبُ الوقت كما أشاءُ ( قلتِ ).

- ولا شيء يستحق ( قلت لي ) .

وانتهيتِ تماماً من نسج حكايتكِ المُرّة . إن نبلكِ لا يسمح لكِ أن تتركي المهزوم يتوجع بالعالم ، ويترك لكِ جرحه مفتوحاً أينما ذهبتِ به . للبحر حكايات محزنة ؛كفرح الروح به ، ولي حكايات كوجعي بكِ.

عصفور الحكاية يأتي متّقصداً شباك الغواية ؛ يتقافز بلحنه . يخبرني بحكايته المُغبَطة بالحزن ، عن عشه في جهاز التكييف الذي تم التخلص منه ؛ من قبل إنسان لا يفقه التعب الذي بذله .. وكمية الألم الذي نزفه ذاك الصباح المُحبط . يحكي عن حبيبته التي تركته ، لأنه أصبح بلا مأوى !

تأتي حكايته بالغة القسوة .. تمر عليّ الحكاية كوجه الماء الآسن ، ليزداد بها طحلب الحزن تكاثراً ؛ الذي أصبح ينمو في بوتقة الألم ؛ لتزداد اتساعاً .. يزقزق ذاك العصفور بجرحه الدامي ، فيضحك الأطفال ، ويزداد هو حبوراً ؛ بوجعه المفرح !.

يزداد أثركِ وضوحاً ، وتبتعد المسافات اتساعاً ، أجمعُ صدفات الوقت عَلّي أستأنسُ بها في مشقة البين . الطين اللازب يعرف وجعي فيكِ ، وأنا أعجن ذراته ، بمياه الأمطار الموسمية .. التي تأتي إلى الروح بالفرح .. كلعبة يتلقاها طفل فقير ذات عيد مبهرج بنياشين الأغنياء وديون المعدمين ؛ الذين يتصنعون الضحك على الحياة ، إليكِ أثبُ بجرحي ، بخطواتكِ بجانب البحر اللازوردي، أهنئكِ بانتصاركِ لكِ ، وبغلظتكِ التي تنساب مع دموعكِ ، وأنتِ تكابرين شحذي بعيني على أقدامك ، كقطة تستجدي طعاما شَمت رائحته ,فزادها الجوع جوعا . ذهبتِ هناك .. ووقفتُ أنا هنا مبللاً بالمسافة ، أحكي لك استماتتي لك وعليك وفيك ، سأظل تحت الشمس حتى تغرب ، لأعلم أين المستقر ...؟.

سأقتفي الصوت الأول في حانة النسيان . كرعتُ كأسكِ دفقة واحدة ، ما بالكِ لا تشفقين على الزهر في الكأس الفارغ من حضوركِ ؟!.

البحث عن المختلف فيكِ جعلني أقلبُ الطين الأول في وجهي ، وأنت تضعين أصابعكِ الشمعية على بداية الأشياء ، لا أستثني ولعي بوجعكِ المارق على النور ، وحكاية الأشياء ...

ماذا أحكي في البعد سواء عن الغراب ، وحصاة الوشاة ، ونملة الوقت التي تمر ببطء ؛ يحرقني بطئها وسعة صدرها في رسم المسافات !.

لك في البعد وحشة ؛ وأنا اقتفي أثركِ الغابر .

الكتابة فعل تمجيد !. هل أمجدكِ الآن أم أقتلكِ في غياهب الحرف ولعنة اللغة الأزلية ؟.

هناك حيث أنا لست هناك ، وحدكِ تتمرأأين وجهي في فضاء النسيان ،وتحتفظين بظله ؛ كتحفة مكسورة لا قيمة لها ، إلا أنها كانت في زاوية القلب مبهرجة بالحضور . استمع إلى موسيقاكِ الذاهبة في عمق المسافات ؛ بحثا عن رحيق للروح ، يا للزمن ..

يا للزمن السائح في لوحة "دالي" !.

- تخلّص من وجعك . قلتِ .

وها أنا أنفضكِ من ثناياي ؛ ليسّاقط المطر في الصيف ؛ وتنتعشين بالغياب ، ويمر صاحب الوجه الذي يشبه ثمرة أجاصة مدعوصة بعناية ؛ يمر من أمامكِ .. تاركاً حقائب جنونه وسقطاته عند محطاتكِ ، لملميها بعناية إن شئتِ !.

هذا أثري فيكِ ، وأغنيتي عنكِ .

نوارس مدهونة برمال الحزن يأتي غيابكِ ، يخرج في الصباح الباكر من باب الصدفة , أتمرأى وجهي في مراياي المكسرة ؛ لعلي أجد ضالة الوقت في معنى أشيائكِ .. ضحكتكِ الخرافية التي تسافر قبل أن تخرج ، وكأنها نقمة على الكائنات ، هازئة بكل الذي يجري ، أو اللاكتراث ..

أعرف أنكِ تتمردين ببرزخة الغياب ، وتلعبين لعبة الغمّيضة الوجودية ، ما بالك .. نسيت حوض الزهور مملوء حتى الثمالة بماء الفقد, وتركت اللذة المشتهاة معلقة بين أوتدة العدم ؟!.

هذا السكر المتواصل من الكلمات لا يعنيني شيئاً البته ..سوى الاندثار القاتل / العدمي / الكافر.. لا يعنيني الآن شيئاً كما لا يعنيك كلامي الآن .

لا تنسي أن تعلقي قناديلكِ قبل أذان المغرب .. حتى نمر على الشاطيء حافيي القدمين , لنستمع إلى موسيقى البحر .. ذهبت وتركت أصابع يدي معرقة لم تجف أبدا ..تبحث عن حدود أصابعكِ . مربك هذا الصباح ، أحاول جمع ما تبقى على موانئ الساعات , أختلس النظر إلى صوتكِ العذب ، سأمر الآن أمام طيفكِ .. فلا تنبسي ببنت شفة !. حتى لا يتحلل الخيال المضطرب ؛ أجمعي ما شئت من الحطب , لنوقد القمر النائم على أريكة الفجر ، خذي نفسا عميقا واغطسي في البحر الناعس ، حتى لا تستيقظ كائناته بصوت خلاخلك .

أمجدكِ بالحرف ، والتمجيد فعل قتل متكرر .. لك هناك في ظلام البين قمر كسيح ؛ لن يضيء لك الدرب ،ولن تستطيعي إشعال حرف نازف ؛ يوقد المسافات الملتهبة بماء الفقد ، ستضحكين من خوف المجهول , وسطوة البقاء ..!!.

أعترف أن وجهك سيلاحقني ويوجعك الممتد في أثرك الغائب .. سلام لك في البعد . ما عاد الماء يذكرني بك ولا الطين ، أنا ابن الطين والماء !.

ليغفر لي الله ما أكتسبه لي لوعة الأشياء بها ،وعصافيري الملونة بالدهشة والخوف وصدمة الضوء . تفاصيلي التي كثيرا ما أنساها على زئبق الحرف ليأخذني على حين غرة ؛ حبا في الجمال والله

والكائنات ، وكرهاً للأغبياء والقتلة ؛ وجه القبح ! .

جاء عسل الكلام هذا دون وسيط إلهي .. نكاية بالمتحذلقين وقطاع الكلمات والرؤوس .

غفرانك اللهم من هذياني بها ولها .

غفرانك اللهم من وجهها ونسيانه .

غفرانك اللهم من أثرها واقتفائه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق