الأربعاء، أكتوبر 26، 2011

الانحناءة الأخيرة لرقبة مالك الحزين


   أعجبه انعكاس القمر ولون السحاب ولون عينيه اللتين تشبهان الجرح ؛ على زجاج الماء.
 تمرأى كثيراً في السطح الصقيل ، البلور الشفاف الجاري بهدوء وبعذوبة؛ كدموع العذارى على مرمر الوجه.. سرت إليه كهرباء الصوت بالخرير المقلق المنبثق من الحجارة الصلدة الملساء .

  ظل زمناً طارحاً عنقه بقدر ما يلامس منقاره العاجي السطح الجاري ، مصدوماً بالجمال بالدهشة المتغلغلة في أوردته الرفيعة ، لم يحرك ساكناً وظل ككومة قطن ناصعة البياض ، منسية لتزداد ألقاً، في الغروب المشرّب بالصفرة الحمراء..

  رفع ساقه اليمنى واقفاً على اليسرى بعد أن سرت رائحة الصبية العذراء المغتسلة في أعلى المجرى، ضرب بجناحيه على سطح الماء ليتعطر بصابون إبطيها الزكيين ، ضرب ثلاث مرات ومن ثم سرت في جسده الرفيع دوخة لذيذة بدءاً من طرف منقاره إلى آخر إصبع في ساقه المرفوعة ، نفض ريشه مرتين ليعيد توازن درجة الحرارة في جوفه .

  مرت أعلى منه أسراب من الطيور راجعة إلى بيوتها خائفة من العتمة القادمة المنبثقة من أعلى السحاب ، انتفض جسده قليلاً بعد أن لامس ريشاته هواء خفقان أجنحة السرب.

   توهج المكان برائحة الصبية؛ المغتسلة بالعشب الطازج أحس بدفء يغمره، كهالة مقدسة ، كحنان آمن .. حرك عينيه دون أن يتحرك بعد أن ازداد المكان عتمة إلا من بياض ريشه .

  أحس بالندى يداعب ريشه. اختلطت رائحة ريشه المبلل برائحة الصبية؛ المنتشرة في الماء أحس أنه خفيف، خفيف جداً وأنه طائر في السماء باتجاه ضوء خفيف يشعره بلسعة عذوبة تسري في رقبته كلما اقترب من الضوء القادم ..وأن صبية فاتنة تتعلق برقبته، رائحة جسدها تفوح بالعشب الطازج ، صوتها عذب يشبه خرير الماء، وتخيلها أيضاً أن وجنتاها صافيتان كسطح الماء الصقيل وعيناها بلون الطحلب أسفل الماء الجاري.


  مر الليل خفيفاً وسريعاً عليه والصبية ما زالت تغتسل في الماء الجاري ، عرف ذلك من رائحة جسدها وشعرها المبلل الذي حملته نسمة الفجر مختلطة برائحة الحرمل والياس والظفرة ..
حاول أن يحرك ساقه التي يقف عليها لكنه لم يستطع ، ثم حاول أن يحرك جناحيه لكنه لم يفلح ، حتى عينيه لم يستطع أن يحركهما .. اكتشف أنه يستطيع أن يفكر ويتخيل لكن لا يستطيع أن يتحرك أبداً .. انفجرت فجأة دمعة من عينيه اللتين لا يستطيع تحريكهما؛ في البداية تدحرجت على منقاره ومن ثم هوت على سطح الماء كالشهقة لتمضي مختلطة برائحة الصبية المنتشرة في المجرى..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق