الأحد، ديسمبر 18، 2011

صالح العامري..الغارق في لجة النبع




صالح العامري في الحياة، المبطن بالماء..المنساب من ريح شناص،المقذوف إلى الحياة بصوت الحلم المائل جهة الأرض...

يعيش، كما ينبغي هو أن يعيش..

نهما باللبن والموت والعمر والمحو...

هاديء/قلق/حكيم/فوضوي بعناية..حاضر حاضر دون كلام،يراقب المشهد،وكأنه ينتظر الإنفجار العظيم!.

ينبثق صوته من المذياع؛كخرير الماء،باحثا عن كلام الموتى؛العقلاء..لإيقاظ الأحياء..

كان علَيَّ منذ أمدٍ

أن أربّي ثلومي

أن لا أفَرِّطَ في

أديرة

الليل

في عام 1996كنت على بعد خطوات وأسلم روحي للطائر الحديدي،هارباً من قيظ المكان والكائن؛فجأة انبثقت الفكرة بعد منتصف ليلة مدلهمة السواد.قلتُ:سأذهب إلى ظفار- حيث المطر والعشب. اتجهتُ إلى كشك كتب منزوي في ركن المطار،حطت يدي على ديوان الشاعر صالح العامري، مراودات..

من هذا الصالح؟

ماذا يراوده؟

يومها عرفتُ،صالح العامري.

أذكر أني بعد أن انتهيت من قراءة،الديوان ،انفجر شريان في داخل رأسي،وأخذت بكتابة شيء ما بين أوراقه- حاولتُ جاهداً أن أجد الكتاب بين كومات كتبي المعثرة لأطلع الآن على ما كتبت ولكني فشلت.

وصلتُ ظفار وأنا فرح.. الماء والخضرة ومراودات!.

أقبضُ بأسناني

غيمةً لاهثةً

منذورةً للإبادة

أمسكُ بكلتا يديّ

سُقُفاً من

دُخان مطّاير

رجلاي أودعهما في

الضفة البعيدة

لهما قارب الوحشة

وزبانية المنفى...

***

دخلتُ مقهى الحرية(1)،منتظراً عبدالحكيم(2)..

دخل حكيم وابتسامته تتدحرج أمامه.

- ازيك يا مزروعي..

- ....

- شفت صالح..

- من صالح؟

- صالح العامري. هو هنا في القاهرة بأأله كم يوم،دلوأتي اييجي أنا ألتله إنك هنا..

- سأكون سعيداً..

دخل صالح ولم أكن ساعتها رأيت وجهه من قبل.

- أهو صالح..

كنت أشارك في الحديث باقتضاب- لعنة الإرتياب. واسترق النظر إلى صالح..يخرج كلامه بوشوشة هادئة؛كموسيقى مصعد مهجور!.

ذهبنا إلى الليل نلاحقه في قاهرة المعز..وانهيناها بكشري- لم يحذرني حكيم من الصلصة التي وضعت في كيس صغير شفاف. احترق فمي وجوفي..

- هو أنا نسيت أأولك إنه الشطة حارة- بعد ماذا يا حكيم!.

أشار عليّ صالح أن أبيت في الشقة التي استأجرها في الدقي. اخترق البرد عظامي،صرت ارتجف بشكل لاإرادي،والسرير الذي نمت عليه لم يكن عليه لحاف.. اتذكر أني نمتُ ولم أخلع حذائي حتى يدفئني ولكن لم يفد ذلك في شيء ،نمت على الأرض ووضعت المرتبة فوقي؛بعد جهد نمتُ..

بعد أيام اتصلتُ بصالح بأني سأذهب إلى الإسكندرية،قال أنا ذاهب اليوم..سأنتظرك،وأملى عليّ العنوان..لا تنسى مصطفي كامل!.

كان عود منير بشير؛يجرح السكون..

كان لدى صالح مسجلة موصول بها (ميكرفون)،في النهار يسجل مقابلات مع كتّاب وأدباء،وفي الليل ينزع(الميكرفون) ليستمع إلى موسيقاه من أشرطة يحملها أينما ذهب..

في أحد النهارات؛بعد أن تواعدنا أن نلتقي في مقهى قريب من شاطيء الإسكندرية..أخذ صالح ينفض الغبار عن ركبه ويهمهم متذمراً من شيء ما،سألته:ماذا حدث؟ قال: أنه سأل عن أحد ما كان على ما أعتقد يحرر مجلة أدبية تعنى بالمكان – خانتني الذاكرة لأن أتذكر المجلة وصاحبها.أشار عليه شاب بأن يأخذه في دراجته النارية،وأدخله في أزقة ضيقة،ولضيقها أخذت ركب صالح تحك في الجدران. ضحكتُ،ثم أخذ بالضحك ..

أشار إلى عمارة بيضاء-أظنها فندق:

- هنا عاش لورنس داريل..

- صاحب رباعية الإسكندرية؟

- نعم...

ومنذ هذي اللوحة

سأكون تاجر لُبانٍ

بين ظفار

وحتشبسوت

ولن أكتفي بعنقٍ

واحد

كان صالح قد جلب معه مخطوطة ديوانه الأخير،خطّاط السهو،وأنا جلبت معي لعنتي..

كنا نتشاور في النشر،فقال:أشار عليّ حكيم أن ننشر في دار الجمال والحب-ليتها كانت كذلك!. قلتُ له: هو أشار عليّ أيضا..

التقينا،وأهداني خطاط السهو..ثم مد يده، وقال:إعطني الديوان ففيه أخطاء كثيرة.. دعني أصوب نهدا عائشة!.

ليس لدي ما أقوله عن صالح فلقد قال:

انتهيتُ من ال

غ

ر

ق

الآن أفهمُ الجميع

(1) مقهى الحرية: في ميدان التحرير بالقاهرة.

(2) عبدالحكيم: الروائي المصري عبدالحكيم حيدر.

(3) صورة صالح العامري في الأعلى من الأرشيف الخاص للكاتب(تصوير الخطاب المزروعي في شاطيء الإسكندرية)

(4) المقاطع الشعرية الواردة في المقال ،للشاعر صالح العامري

هناك تعليق واحد:

  1. سيمياء الروح19 ديسمبر 2011 في 1:33 م

    الخطاب ، الآن لدي مهمة بحث أظنها ستكون ممتعة جدا لهذا الصالح , فحرفه يغري باقتفاء أثره!
    أغبطك على هذه المعرفة الأنيقة بهكذا رجل !!
    تحيتي.

    ردحذف