الأحد، ديسمبر 04، 2011

إنثيابات ليلة البارحة


لا أعلم لماذا أستدعي ألم الحرف.. ، هل مباهات بالوجع المتلازم له ، وهو ينثاب هذه الليلة على رأسي المشطور... ؟

يخرج هذا الكلام كفعل جرح؛ يصل العمق الملتهب بأسئلة متلازمة بشيء لا أعلمه ؛ لكنه موجود في مكان ما ، من الحيز الضيق الذي أقع عليه من المجرة ..

أعلمُ أنكَ مجنون ، كما أنني أعرف جيداً أن في داخلكَ صعلوك لا يتوانى عن غزواته المتكررة ؛ المحكوم عليها بالفشل في عالم يحكمه ؛ القتلة وسماسرة الأعراض ...

هذا لا يهمني الآن كثيراً ، فلقد سئمتُ اللعبة المستهلكة والمتكررة على أذن الوجع .

******

إنثياب برج الأسد

أقشعر جسدي وأنا أتابع ذلك الطفل ودموعه تنثاب حتى شفتيه الرقيقتين ؛ والحق يقال لم يقشعر جسدي له بالضبط ، بل تذكرتُ عينيها اللوزيتين وقوس عينيها .. لأغرق في لجة الألم الأول، كانت عيناي تبحلقان في الحائط الذي تملأه الصورة ، لكني أبداً لم أكن معنياً بما أشاهده على الإطلاق .. سوى عينيها !.

هرولتُ إلى جهاز الحاسوب ، وأنا ألج غرفتي المستعارة ، وكأني أُهِم أن أفتح قبر به جرم ما ، رغم ما سيحدثه الفعل من دمار شامل في الداخل ؛ لم أتوانى في ذلك ..

انبثق برج الأسد بخسارته المتعددة، من مجرته العظيمة ، حاملا نيزك منتحر ليستقر في قعر الروح!.

أخرجتُ من جيب دشداشتي ، المطوية التي ناولتني إياها شابة؛ قد مسح الزمن في وجهها حقارته. فردتُها على السرير، وأنا أقرأ صك غفران ذنب الليلة الفائته .. حاولت أن أبكي بشكل يريحني ، لكن قطران الألم الكالح يغطي العصفور المنتفض، وكأن لعبة الوجود تستكثر عليّ حتى البكاء .. يالها من مرارة تحسها في مآقي أوردتك الممتلئة بدموع محتقنة .

كانت هناك عصفورة صغيرة مثلكِ تماماً ، غادرتْ العش .. ضلّت طريق العودة ، أنّبتها أمها كثيراً عندما اهتديتْ للرجوع ..

واصلتُ سرد الحكاية لكِ في سري لتنامي ,هناك حيث أنتِ لن تنامي على صدري هذه الليلة .. قلت: سأعابث القدر ، لأتصل .

رن الهاتف .. رن كثيراً ، ولا أحد يجيب!

إنثياب محارات الدم

استوقفني خبر في جريدة..

أُغتصِبتْ طفلة في إحدى الضواحي ، فما كان من قبيلتها إلا أن جندت أربعين من فحولها لاغتصاب طفلة عمرها ثماني سنوات من قبيلة المُغتَصِب لتنفيذ حكماً صدر من قاضي الفحول الأشداء يقضي بتحرير الطفلة من عذراويت براءتها !.

******

لا أعلم لماذا صوتكِ في البعد يأتيني جارحاً كارتطام نصل بعظم يابس؟!

- موت ديانا في حادث سير...

- وفاة نزار قباني..

- اغتيال أحمد ياسين..

لا تقسي عليّ بعصفور صوتكِ ، حتى لا تسقط ريشات الفرح التي أتأبطها.

بنات آوى

رأيت ليلة البارحة أن بنات آوى تقطّع أصابعي وتنهشني من كل مكان ، كنتُ أبكي وبعض الأحيان أصرخُ، أصرخُ وكأني في لجة ماء .. حلمتُ ليلتها أيضاً أنها سحبتني من بيتي إلى مكان لا أعلمه ...

وحتى لا أنسى لقد سكب شخصاً ما ؛ كان بلا وجه ، سكب على رأسي مادة لزجة (شممتها عندما أفقتُ من الحلم) رائحة سمك خنزة ، كنت سأتقيأ لو أكملتُ الحلم !.

أفقتُ وأنا أتصبب عرقاً ، قلت لعله : حلم من عمل الشيطان!

صرتُ أُرعَبُ كلما سمعتُ صوت ابن آوى قادم من ناحية الجبل .

آخر الليل ... آخر شئ

يمر علّي هذا الليل وحيداً ، بلا وتر ، تنثاب عليّ الوجوه من كل حدب وصوب ، وأنا في آخره أقلّب وجهي تارة ذات اليمين وتارة أخرى ذات الشمال؛ مخافة السقوط في غيبوبة الوجود وحتى لا يذهب وجهكِ مختفياً بذنبي الأبدي، تنثاب لكِ أنتِ في آخر الليل آخر الأشياء ... منذُ الطير الأول المعلّق في سماوات العذاب الزرقاء الملتهبة بشفق الطفولة، ليتني أستطيع أن أمد يدي لكِ وأمسح ذنوبي من وجهكِ النبوي!

ها أنا الآن واقف أرتشف حثالة حزني المتبقي لي في قاع المحارات ؛ المطرودة من جوف البحر الآثم ، لنقل أني أكفّر عن حزني المتبجح مرارة. ياااااه ما أقسى وجهكِ في البعد!

أحد اثنين هذا الألم المتبرزخ لا ثالث لهما، إما الرحيل المتعلثم أو القفز على وجه القمر في بقعة سراب تتمثل الماء المنوي المرمري المنساب براحة المكان السااااااااااكن.

موسيقى المحارات

هذا البعد التمثيلي الذي أفترضه ؛ لعبة تعلمتها لكي اَسِمُ الغياب به ، علمني إياها البحر ، وهو يرمى صدفاته على شواطئ بعيدة، فإن راوده الحنين لها ، جمعها ذات فجر وهي نائمة حتى تحدث موسيقى لقياها في داخلة الممتلئ وحشة ووحدة ؛ فهو يعيش وحيدا كأعمى ؛ كما شبهه بورخيس .

ليلة البارحة تذكرتكِ وابتسامتكِ الماكرة ، تطفو على مخيلّتي الممتلئة بالدهشة ، وأنا أتعجب مشاهدة للماكر ، الذي يخرج زفراته على هيئة نسمات بالغة النعومة، أحسستُ وكأن يد تمتد إلى وجهي لتنزيل ضنى المسافات من على جسدي المنهك والملتبس بالأمكنة والوجوه.

هذا اليوم أكملتُ "عابر سرير" من ثلاثية أحلام مستغانمي، وأنقضى معها عمري الزئبقي، مر سريعا باتجاه القاع،إنها معابثة الصُدف .

أكتب لكِ احتفالاً بهذا القاع المتضخم في أوردتي ، والمتجه إلى المخيف . هل أحداً ما ، يحتفل بتقدمه خطوة نحو السقوط؟ إنها المحارات وموسيقاها الطافحة بالجنون ورمال الوجع الآتي ، إنها جلبة الموسيقى في داخلي ، تزعزعني ، تحرك كياني اللامستقر؛ في قاع الثعابين الوديعة ، التي كثيراً ما تقضم أصابعي في الأحلام ، أصابعي العازفة على نوتات الدهشة والجمال والجنون ، الطافحة بموسيقى المحارات .

ليس من مستقر أعلم ذلك .

هذه الليلة الجافة التفاصيل ، تأتي على السمع كسعال الفقراء ، في نهار يرشح الجوع على شفاههم الذابلة .

هناك تعليقان (2):

  1. سيمياء الروح4 ديسمبر 2011 في 12:15 م

    الخطاب . . نصك هذا يثير دواخلي لتنضح بما خبأته
    في صندوق ذاكرتها التي لا تنسى !
    مربك جدا أنت .

    ردحذف