الثلاثاء، ديسمبر 20، 2011

قراءة في لعنة الأمكنة للقاص الخطّاب المزروعي


* نورالدين بقالي





عرفت القصة في عُمان نمواً مطرداً من جراء تحولات البنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي عرفتها البلاد منذ فجر النهضة الحديثة، والتطور الحثيث ذي الإيقاع السريع منذ سبعينات القرن الماضي إلى الآن في كل المجالات .

ومن خلال مطالعتنا لمجموعة الأديب الخطّاب المزروعي " لعنة الأمكنة " نتيه في عالم من الرُّؤَى يمتزج فيها الواقع بالخيال والوهم بالحقيقة ، وتنهض الحياة متثائبة خارج أسوار الموت لتنفض عنها غبار العبث بينما تظل الأمكنة رغم اللعنة التي وصفها بها الكاتب هي الدفء السرمدي العالق في خبايا الذاكرة .

الرؤية المأساوية للكون عند الخطّاب
" كنت أبني بيتاً صغيراً من الرمال ليسكنه النمل ، ولما نمت قليلاً رأيت رجالاً يلبسون ثياباً سوداء يحنطوني في ذلك البيت ، فهرولت تجاهه وعندما صحوت لأهدمه لم أجده ، بكيت ... ومن ثم بصقت على العالم " (صفحة 13 )

في هذه الإحالة الزمنية الضاربة في الماضي من خلال الفعل الناقص " كنتُ" يعود بنا الكاتب إلى الطفولة السعيدة المليئة بالحب والبراءة ، حيث يبني الطفل مسكناً للنمل ، يغفو سرعان ما يرى رجالاً بثياب سوداء يحنطونه في ذلك البيت . هكذا يتدخل الكبار في عالم الطفولة فيفسدون كل شيء ويعبثون بسعادة الأطفال الأبرياء ، يفزع الطفل ويحاول أن يهدم بيت النمل السعيد لأن الكبار حولوه إلى قبر ، لكن الطفل لا يجده ، فيبكي كل شيء يتحول إلى عدم ، ومن خلال هذا العدم تنبثق الكراهية على الوجود برمته فيقف الطفل ليبصق على العالم ، ومن خلال ارتباط المكان بالموت في مخيلة الكاتب يتولد لديه الإحساس بالفراغ والضياع ، ومن ثم يتحول الكون إلى شيء تافه لا قيمة له لما يحمله من يتم الظلم والقهر والاستبداد .

يستحضر الكاتب الموروث الثقافي: عروة بن الورد/امريء القيس/مالك بن الريب؛ في دعوة للبكاء على القرن التافه ، غضب عارم تفجّره الكلمات وصراع مرير مع الموت وضده من أجل البقاء ، في شكل فني تتداخل فيه الخاطرة بالمذكرات لتشكل نسيجاً نثرياً أدبياً بقالب يترجم تجربة الكاتب وعلاقته بالأمكنة ورؤيته القاتمة للوجود ، ذلك أن العناصر الفنية للقصة لم يعد يهتم بها كتاب القصة الحديثة كالخطاب المزروعي وغيره ، ممن يحاولون التجريب ، لأن شروط القصة القصيرة لم تعد ملزمة بل يتم تجاوزها بحسب درجة وعي الكاتب بالذات والموضوع ووحدة العلاقة بينهما

الفضاء والأمكنة
إن استعراض معجم الخطاب المزروعي في مجموعته القصصية كفيل أن يسلط الضوء على ماهية أمكنته وفضاءاته :
( البيت – المراعي – التلة – المقبرة – اللحد عظام – الموت – المرارة – الدماء المتخثرة – رقصة الموت – الرمال – الصحراء الغراب – الكتابة على الجدران )

من خلال هذا الحشد من الكلمات التي تحملها دلالة سلبية تعكس حالة الكاتب النفسية وإحساسه بالموجودات من حواليه في محاولة يائسة للخروج من ضجيج الموت إلى صمت الحياة ، نتبين أهمية الأمكنة في مخيلة الكاتب ويصبح الزمن ذا وتيرة ممتدة من العصر الجاهلي إلى الآن ، وهي وتيرة استبدادية تسلطية عبّر عنها الأديب بلغة ساخطة وأسلوب مثير يعكس في مجمله الواقع المرير الذي تعيشه الأمة العربية .

من هنا تأتي ( لعنة الأمكنة ) لتحمل وعياً قومياً وبعداً حضارياً وإنسانياً ، ولتبرز على الساحة الأدبية العمانية كاتباً يمكن اعتباره من جيل الرواد في كتابة القصة الحديثة في عُمان .



ـــــــــــــــــــــــ
* كاتب وشاعر من المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق